المقالات

الفن اللبناني.. الملاذ الآمن للمستثمرين! كتب: منير الحافي
المصدر موقع الجمهورية

ما زال الفن اللبناني يفاجئني، أنا الصحافي الآتي من دنيا السياسة! فهو، إلى كونه هبة وموهبة، إلا أنّ الجانب الإقتصادي فيه لا يقلّ أهمية وإثارة.

صرتُ أعلم الآن أنّ الفن اللبناني هو من أغلى ثروات لبنان التي لا يتم استخراجها من البحر، ولا تحتاج إلى تكسير جبال لاكتشافها، ولا يتم تصنيعها على نطاق واسع. بل إنّ إنتاجها يقتصر على: عقل الفنان وإحساسه، ورؤيته ويديْه مع ريشته ومشحافه وأصباغه. حتى الألوان تختلف بين فنان وفنان. بل إن اللون الواحد مع الفنان نفسه قد يختلف مدى «إشعاعه» أو توهجه إذا اختلفت إضاءة الغرفة التي يرسم فيها! فلا لوحة تشبه أخرى.

في إحدى جلسات الغداء التي جمعتني مع فنانين ومُقتني لوحات، قال لي أحدهم إن «أسرار الكون مخبأة في الفن». هذا الفن التشكيلي فريد جداً. ولاحظ أن الماركات العالمية الشهيرة، سواء الساعات أو حقائب النساء، عليها طلبات تفوق الإنتاج مع أن تصنيعها تدخل فيه الآلات. فيصير ثمن «جزدان» معين، أغلى من أنواع أخرى من الماركة نفسها، بسبب كثرة الطلب عليه في العالم. وكذلك نوع معين من ماركة الساعات المعروفة. عندما يزداد الطلب، تندر الكمية، فتصبح هذه القطعة غير متوفرة بسهولة. ينطبق هذا على الساعات والحقائب، فما بالك على اللوحات؟! فاللوحة فريدة .. واحدة. لا يوجد اثنتان منها في العالم.

ماذا عن لبنان؟ الفن اليوم يتفوّق ويأخذ مكانته في الاقتصاد اللبناني، وهو رغم ذلك ما زال في بدايات انتشاره الكبير. هناك فنانون، وهناك فن، لكن القطاع الفني-الاقتصادي غير منتظم بعد.

يرى خبراء أنه عندما يتمدّد تأثير الفن اقتصادياً على قطاعات أخرى، مثل قطاعي التربية والصحة، فإننا سنشهد تغييرات إيجابية كبرى في هذين القطاعين. ويضيف الخبير الاقتصادي أن مجموعة فنانين لبنانيين ساهموا مؤخراً بدعم إحدى الجامعات اللبنانية الرائدة عبر إجراء مَزاد علني للوحاتهم، التي ذهب رَيعها كلياً لدعم مدرسة الطب وتسجيل الطلاب المتعثّرين مالياً. كما أن هناك مشاريع مقبلة تتناول دعم تسجيل الطلاب في أكثر من مدرسة. كما أن الفن يساهم في دعم عدة مراكز صحية معروفة ومنها جمعيات تعنى بعلاج مرضى السرطان وأخرى بمكافحة السرعة على طرقات لبنان القاتلة.

في لبنان، يرتفع الطلب على الفنون رغم الحالة المأساوية التي يعيشها اللبنانيون. اللبناني بطبعه مثقف ومتعلم ويقدّر الفنون. هناك لبنانيون، منهم مقتدرون مادياً ومنهم أيضاً متوسطو الحال، ما زالوا يرون في الفن ملجأ نفسياً وروحياً.. واقتصادياً لهم. هؤلاء يعتمدون على مبادرات فردية تتحول شيئاً فشيئاً إلى «جهد جماعي» مثل تنظيم المعارض والمزادات العلنية. خلاص لبنان في جهود أبنائه المقيمين والمغتربين، والفن هو فرصة متاحة.

على صعيد الأرقام، يتحدث الاقتصاديون عن إمكانية النمو في لبنان بنسبة واحد إلى اثنين في المئة مثلاً، إنما النمو في الفن «لا يمكن إحصاؤه» بسبب تفوّقه. ويقولون إنه منذ عامين كان الفنانون المميزون يبيعون لوحاتهم عبر «الشيكات» إلا أنهم تحولوا اليوم إلى «الفريش دولار» بسبب كثرة الطلب على لوحاتهم من جهة، وبسبب تحول السوق المالية من جهة ثانية. ولا شك أنّ الفن في لبنان يُعتبر اليوم «الملاذ الآمن» لأموال المستثمرين ومقتني اللوحات. في وقت سابق، كان المستثمرون يلجأون إلى شراء السيارات والساعات والعقارات واليخوت. اليوم تحولوا إلى اقتناء اللوحات وهي «الأكثر أماناً» على الصعيد الاستثماري. ولكن يحذّر الاقتصاديون من أنه يجب التنبّه في الشراء من عدة أمور. أولاً يجب معرفة مصدر اللوحة: هل هو مصدر موثوق أم لا. لأن ذلك يشمل أصالة اللوحة من عدمها، ويجب أن يحصل الشاري على وثيقة موقعة من الفنان أو أحد وارثيه تؤكد أن اللوحة ليست مزورة، بل أصلية مرسومة بريشة الفنان الحقيقي. كما يجب الانتباه إلى الإدارة التي تبيع هذه اللوحات. هل إن الفنان نفسه هو الذي يتولى البيع والشراء، أم انّ عنده مدير أعمال يتولى له عمليات البيع وتنسيق المواعيد مثلما يحصل مع الفنانين في الغرب؟ ويشيرون إلى أن لكل من لاعبي الكرة العالميين مدير أعمال ينسّق له مواعيد اللعب واللقاءات الصحافية والإعلامية والإعلانية وغيرها. ويجب أخذ العلم أنه عندما تكون «مؤسسة الفنان» متماسكة فإنّ أسعار لوحاته تبقى ممسوكة بعد وفاته. والخوف أن يعمد وارِثوه إلى عدم تقدير هذا الفن فيلجأون إلى بيع مقتنياته بأسعار بَخسة. وهذا ما سيؤثر على أسعار لوحاته في السوق. إذاً، إنّ المؤسسة التي تتولى أعمال الفنان، حياً أو ميتاً، شرط مهم للاستثمار فيه.

أعداد الفنانين في لبنان كبيرة وهم جميعاً على مستوى كبير من النجاح المهني. لكن من هم المميزون؟ قلائل؟ ومن هم الذين يجب الاستثمار في شراء أعمالهم؟ هذا هو السؤال المطروح. يجب الاطلاع على «دفتر شروط» الأعمال الفنية قبل الاستثمار، ومنها: أصالة العمل الفني، وجودته، وحسن إدارة أعمال الفنان.

في السنوات الأخيرة، كنت تدخل بيتاً فخماً في بيروت فتجد فيه أغلى الأثاث من دون لوحات لبنانية على الجدران. مؤخراً، صرت تشاهد لوحات لفنانين لبنانيين مرموقين يتخطى سعرها سعر الأثاث والفرش، بل إنّ بعضها يتخطى سعرُه سعر المنزل نفسه. دخلنا في زمن جديد، زمن تقدير الفن اللبناني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى