المقالات

حريق لبنان – د. قصي الحسين

مشهد الحرائق في لبنان، مسلسل مستمر. كل يوم يضاف إليه حريق جديد. من حريق العملة الوطنية، إلى حريق أموال المودعين، إلى حريق الدواء، إلى حريق الأسعار، إلى حريق البنزين والمازوت والغاز، إلى حريق فاتورة الكهرباء، إلى حريق المرفأ، والعدالة والعلاقات مع الأشقاء. إلى حريق ثقة العالم العربي والأجنبي بلبنان. وأخيرا وليس آخرا: أتى حريق الغابات وما تبقى من المساحة الخضراء. وهو لا يزال مستمرا منذ أربعة أيام، بكل تفلت، دون التمكن من السيطرة عليه، حتى الآن!.

لم يتجاوز لبنان الحرائق، حريقا وراء حريق، حتى إحترقت الحكومة، بأبنائها. وبوزرائها. وبوزارتها. حتى شب الحريق، من النار الخامدة/ الكامدة، لا فرق بين الرئاسات.

لكن حريق الغابات، لم يكن بسبب، شرارة طائشة أشعلته فإشتعل، وإنما بسبب رصاصة طائشة، أشعلت لبنان، بكل حرائقه السابقة.

الحرائق السابقة، هي التي تسببت بحرائق الغابات: لا حراسة للغابات. لا ماء في القرى. لا أليات جاهزة للدفاع المدني. لا رجال للدفاع المدني. لا كوارد كافية. ولا أموال كافية للمازوت والبنزين وتصليح الآلات. فجميع أهل الحكم إذا، من أعلى الهرم في السلطة، حتى القاعدة، هم متهمون، بحرائق الغابات. هم ضليعون فيها. هم الأساسيون. وليبدأ التحقيق من هنا. ولتبدأ المحاكمة من هنا. لا من “الهناك”.

ماذا كانوا ينتظرون من الناس في الجبال، حين يصادرون أموالهم. يأكلون أموالهم. وحين يحرقون عملتهم. وحين يحرقون أسعار المازوت والغاز، وسائر مشتقات المحروقات، ويجعلون الناس في الجبل يموتون، بين خيارين أحلاهما مر: الموت إختناقا لفقدان الكهرباء والأوكسجين، أو الموت من شدة الصقيع والبرد.

حرائق الغابات في لبنان، إنما هي نتيجة السياسة الحارقة للبلاد وللعباد. إنما هي نتيجة هذا الجحود الحاكم، والذي يتحكم بالناس. إنما هي نتيجة الطيش السياسي، الذي لا يأخذ بعين الإعتبار، أن الطاقة عصب الحياة. وأن الجرود في الشتاء، يجب أن لا تحرم من الطاقة، بحرق أسعارها، لئلا يلجأ الناس للتدفئة ، من بقايا الحرائق، مما يند عن ألسنة النيران.

حريق لبنان، كان قد بدأ منذ زمان بعيد، وليس مع الحرائق المشتعلة والمتنقلة الآن. فنحن نحصد في الحريق الجديد، نتائج كل الحرائق التي توالت على حرق لبنان، بألسنة النيران المختلفة: إبتداء من مخلفات الحروب، حتى مخلفات التخزين لما يزيد إنتشار النيران، ويساهم في زيادة وقودها، ويصب الزيت على النار.

حاصرت السلطات الناس في معاشهم، وهددت أمنهم الحياتي في دورهم، بمنعها عنهم، المال والوقود، فصاروا أسرى الجوع والعطش والظلمة. وأما أهل الجبال، فجعلتهم يعيشون، في هم جديد: هم الصقيع والبرد.

سارقوا النار ومضرموها، في المدن والقرى، وفي السهول وفي الجبال، هم عينهم، من سرقوا اللقمة من الأفواه. ومن سرقوا النور من العيون. ومن سرقوا الدفء من الأبدان. ومن سرقوا الأمن من لبنان. هؤلاء هم سارقوا النار، هم مضرموها اليوم، هم حارقو لبنان.

حريق لبنان كان متوقعا، قبل حرائق اليوم التي تشتعل فيه، من أقصاه إلى أقصاه. فما رحم الحكام الناس، لا في المدن ولا في القرى. فأشتعلت النيران في نفوسهم قهرا، لأوجاعهم المزمنة. لأمراضهم المزمنة. للنيران التي إلتهمت جيوبهم ومدخراتهم، وقطعت عنهم المازوت والكهرباء، وأضرمت بأجسادهم الملتهبة، جميع هاتيك الجبال. هذا هو أصل البلاء. هذا هو أصل الحرائق اليوم. لأن المطلوب حريق لبنان!.

د. قصي الحسين
أستاذ في الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى