المقالات

بين التاريخ و التأليف\ بقلم المُحامية رنا تانيا الغُز

“التاريخ حَدَثٌ ومؤَرِخ”, فلولا المؤَرِخ ما نُقل الينا الحَدث. والتاريخ عِلمٌ مُحَبَب. كيف لا والنفس فُطِرَت على حُبِ الحَكايا ؟؟ وإن كان التاريخ عِبرَةً وليس حِكايَة. عِبرَة تَقومُ عليها نَهضَة الأمم. فكم انبَئَنا الحاضُرُ قبل التاريخ أن أمَةٌ جَعلت مِن طَمس تاريخ أُمَةٍ أخرى أو تحريفه، سلاح سيطرة واحتلال.

مِن نافِل القَول أن تدوين التاريخ يَخضع لمعياري المَصدَر والمَرجع. مَصدَرٌ عاصَر الحَدث أو اطلع على وثائِق عاصرت او لاحقت حدوثه كوثائِق ومُراسلات الملوك مثلا. ومرجَع يسنُدُ دراسَتِهِ الى هذا المصدَر أو ذاك. لذا, يبقى من الخطورة بِمكان الخَلط بين التأريخ والتأليف.

جَرَت العادَة في “الدراما التاريخية” أن تُقرَنَ كل حلقَة مِنها بِعبارة: ” أحداث هذا المُسلسَل مِن وحي الخيال” وسواء حُذِفَت هذه العبارة عن قصدٍ أو عن غير قَصد فإن هذا السلوك , والذي يُوضَعَ حَولَه الف علامة استفهام, قد أدى الى نتائج كارثية حين اختلطَت في عقول الناشئة الحقيقة بالخيال. أكثر مِن هذا فإن المُسلسلات التي تُصَنَفُ نَفسَها بالتاريخية تَخلو مِن عَملِيَة ” التدقيق التاريخي” وكأنها توحي للمُشاهِد بأنها كذلك فعلاً. حالةٌ تُذَكِرُني بمحاضرة افتتحها المحاضر بِعبارة: “سوف نَنظر الى التاريخ بعيونٍ عَربِيَة “. وهي عبارَة تحمِلُ في خطورَتِها والطياتِ السؤال التالي: هل التاريخ عِلمٌ أم وُجهَةَ نظر؟؟

في كُل بلاد العالَم يُدَوَنُ التاريخ بِسَوادِهِ قبل البياضِ. ويتعاملون مَعهُ كعِلمٍ مُجَرد يستقون منه عبراً تعينُهُم على زيادة النهوض وبِشَكل لا يحتاجون معه الى ” تدقيق تاريخي” أي انهم لا يحتاجون الى التمييز بين “الدراما التاريخية” و”علم التاريخ” لِسَبَبٍ بديهي مفادَه أن المؤرخ لا يَحَكُم كتاباته خلفية عقائدية او سياسية … الخ. هو يدون الحقائق فحسب.

بالانتقال من المضمون الى الشكل. وهو شَكلٌ يَستَخِفُ بِعقل المُشاهِد إذ تقوم شركات الانتاج بِقَذف مسلسلات تحكي قصصاً حصلت خلال العصر الوسيط أو حتى في البادية حين تُفاجأ بِمُمَثلين تألقوا في اناقَة لباسِهِم وكَيِها والوانها الزاهية وممثلات تفوقن بتصفيف شعر و”ماكياج” لَم تَعرِفُه البشرية قبل القَرن التاسِع عَشَر لدَرَجَة تَتَوَقَعُ فيها أن يظهَر “هارون الرشيد” وبيده ساعة “روليكس” وأن تتحدث ” شَجَرَة الدر” عبر “ألأيفون”. ثَغرةٌ لم يتنبه لها الأنكليز فحسب بل حرصوا على إضفاء مشاهد افلامِهِم التاريخية بتفاصيل تأنوا في انتقائها لِدَرجة تَجعل المشاهد يَشعُر بأنه يعيش احداث القصة.

متى نتخلص من فوضى تعدد الروايات حول واقعة تاريخية واحدة؟ متى نَقتَنِع بأن تحريف التاريخ أو التعامُل مَعه كَوِجهَة نَظر هو سلاحٌ يُعيق نَهضَة الأمم ؟؟ أولَم تَخرُجُ “أوروبا” من عصور الظلام إلا بِمُواجَهَة الواقع عبر نقد الذات والتعاطي مع تاريخ لها وحاضر مُظلِم بِحيادية كَجِسر عبور نحو عَصرَ النَهضَة؟؟ نعود للقول, إن الدراما التاريخية غيضها تاريخ وفيضها خيال. فيا حبذا لو نُمَيِز بين التاريخ و.. التأليف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى