المقالات

السعودية بين التوازن الاستراتيجي والحياد- كتب كارلوس نفاع \ المصدر جسور

على ابواب الانتخابات التشريعية الأميريكية اشتداد الغضب في الولايات المتحدة بشأن قرار أوبك + بخفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميًا ، مما دفع القيادة السعودية للتأكيد على أن القرار إقتصادي بحت في محاولة لتهدئة الأجواء. واصل المتحدثون السعوديون الكبار ، بمن فيهم وزير الدفاع الذي تمت ترقيته حديثًا خالد بن سلمان ، الدفاع عن قرار بلاده باعتباره يستند بشكل صارم إلى الاعتبارات الاقتصادية مع إنكار أي أجندة سياسية.
في غضون ذلك ، حاول السعوديون دحض التأكيدات بأنهم اتخذوا موقفًا مؤيدًا لروسيا في حربها الأوكرانية ، من خلال التأكيد على أنهم يحترمون التزام ميثاق الأمم المتحدة بسيادة الدول الأعضاء وسلامتها الإقليمية وأنهم يتعاملون مع نظرائهم الأوكرانيين ضمن إطار السيادة وتحت مظلة الأمم المتحدة. و أعلن السعوديون أنهم سيقدمون لأوكرانيا 400 مليون دولار كمساعدات إنسانية. كما و تحدث ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ، الذي عُين مؤخرًا رئيسًا للوزراء ، مع الرئيس الأوكراني زيلينسكي في محادثة تطرق فيها إلى الوساطة السعودية في تبادل الأسرى ، ومتطلبات الطاقة الأوكرانية ، وإمكانيات الاستثمار بعد الصراع.
ليس من الواضح ما إذا كان هذا سيكون كافيا لتهدئة الإدارة الديمقراطية في واشنطن التي قد تدفع ثمن السياسية السعودية غاليا في صناديق الاقتراع. العالم أصبح أصغر والتآخي لم يعد هو نفسه كما في القرن الماضي فالكل أصبح ناخب في القرية الكونية الجديدة.
اثارت ردة فعل الرئيس الأميركي جو بايدن التي ذهبت الى حد الدعوة العلنية لإعادة تقييم العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والسعودية ، أسئلة استراتيجية كبيرة و معقدة. على وجه الخصوص ، الدعوات التي أتخذت منحى انتخابي لإنهاء العلاقة الأمنية بين الولايات المتحدة والسعودية ومبيعات الأسلحة إلى جانب إجراءات عقابية محتملة أخرى.
مما يظهر خطر فقدان السيطرة على إدارة العلاقات الثنائية ، فقد بذل كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية جهودًا كبيرة للتأكيد على أنه ، بغض النظر عن الإحباط بشأن أوبك + ، تواصل الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية الشراكة الاستراتيجية في الاقتصاد الإقليمي والعالمي ، و الأهداف السياسية والأمنية التي تخدم المصالح الأمريكية الحاسمة.
مما يكشف تخبط الرئيس الأميركي ، فقد بدا في مواجهة أزمة دون خارطة طريق واضحة قد لا يكون قادرًا على السيطرة عليها دون أضرار انتخابية لحزبه . لهذا وإدراكًا منها للمصلحة الوطنية الأوسع وقائمة الخيارات المحدودة ، فمن المرجح أن تقصر الإدارة استجابتها على تدابير متواضعة نسبيًا لا تجسد ردة فعل الرئيس والسقوف العالية التي رفعت. مما يضع ، الإدارة أمام خطر إلحاق المزيد من الضرر بالعلاقة الثنائية بينما يعرض فريق الحكم الديمقراطي نفسه مرة أخرى للانتقادات بأن تعاملهم مع الملف السعودي ضعيف وعديم الفائدة.
أمام الفتور في العلاقات بين الرئيس الأمريكي جو بايدن، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، تزدهر العلاقات الصينية السعودية .
وتجري الرياض وبكين مباحثات من أجل تسعير بعض الصادرات السعودية النفطية إلى الصين باليوان، بحسب صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، ويمثل ذلك خطوة ثورية في الاقتصاد العالمي إن تم تنفيذها، ومن شأن ذلك زعزعة مكانة الدولار كعملة رئيسية في تسعير البترول، ما قد يثير اعتراض واشنطن. ووفق ذات الصحيفة، فإن السعودية وجهت دعوة للرئيس الصيني شي جين بينغ، لزيارتها، لتعزيز العلاقات بين البلدين، ومن شأن ذلك زيادة حدة الفتور بين واشنطن والرياض.
وفي كانون الأول 2021، كشفت صور أقمار اصطناعية وتقييمات استخبارية أمريكية أن السعودية “بنت منشآت لتصنيع الصواريخ الباليستية بمساعدة الصين”، بحسب شبكة “سي أن أن”، الأمريكية.
ونقلت الشبكة عن متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، قوله إن الصين والسعودية “شريكان استراتيجيان شاملان”، و”يحافظان على تعاون ودي”، في جميع المجالات “بما في ذلك التجارة العسكرية”.
كما وقفز التبادل التجاري بين السعودية والصين من 3 مليارات دولار في عام 2000، إلى 67 مليار دولار في 2020، أي أنه تضاعف أكثر من 22 مرة خلال عقدين. حيث تعد الصين الشريك التجاري الأول للسعودية تليها الولايات المتحدة. بينما تمثل السعودية أكبر شريك للصين في غرب آسيا وشمال إفريقيا. وتمكنت السعودية خلال هذه السنوات القليلة من أن تصبح المُصدّر الأول للنفط إلى الصين، متفوقة على روسيا، الجارة الشمالية والشريك الاستراتيجي لبكين. إذ بلغت صادراتها إلى الصين 1.67 مليون برميل يوميا بشكل مستقر.
وحجم التبادل التجاري بين السعودية والصين أصبح تدريجياً أكبر بكثير من نظيره مع الولايات المتحدة، التي تعتبر شريك استراتيجي للرياض. مما جعل الميزان التجاري لصالح الرياض بـ11 مليار دولار، حيث صدرت للصين 39 مليار دولار، واستوردت منها 28 مليار دولار في 2020.
في حين بلغ التبادل التجاري بين السعودية والولايات المتحدة 37 مليار دولار، منها 24 مليار دولار صادرات المملكة إلى الولايات المتحدة مقابل واردات بقيمة 13 مليار دولار،بحسب بيانات موقع “ITC Trade”.
فهل يستمر الديمقراطيين في دفع السعودية إلى حضن الصين اكثر؟ و هل سيكون تعوييم إيران على ضوء نتائج التشريعية الأميريكية في ٨ تشرين الثاني شرارة لفصل جديد في الشرق الأوسط ؟
28 تشرين الأول 2022

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى