الأخبار اللبنانية

الراعي: المسيحيون والمسلمون مؤتمنون على سياسة السلام

ألقى البطريرك الماروني مار بشارة الراعي اعظة بعنوان “لما راى توما جراحات يسوع، هتف:ربي والهي”، قال فيها: “صدم موت يسوع على الصليب تلميذه توما، صدمة شديدة للغاية جعلته غير مصدق خبر قيامته من الموت، وغير مؤمن بأنه قادر أن يقوم. ولكن، ما إن رأى جراحات يديه وجنبِه، آمن بألوهيته، فهتف: “ربي وإلهي”. وهكذا أصبحت جراحات يسوع البرهان على قيامته، والعلامة لحضوره بيننا”.

أضاف: “يسعدني أن أرحب بكم جميعا، وبخاصة بدولة الرئيس العماد ميشال عون، رئيس التيار الوطني الحر، وبالسادة الوزراء والنواب من كتلة “الإصلاح والتغيير” وبمسؤولي التيار الوطني الحر في الاقضية، وأرحب بالشبيبة التي شاركت في مسيرة درب الصليب، يوم الجمعة العظيمة في الكوليزيه بروما، بقيادة قداسة البابا فرنسيس، وفي وضع تأملات مراحل درب الصليب، برغبة خاصة من قداسة البابا بندكتوس السادس عشر. كما نرحب أيضا بأهالي الشابين المخطوفين في نيجيريا، وهما عماد العنداري من دار بعشتار – الكوره، وكارلوس أبو عزيز من درب السيم – صيدا. لقد خطفا منذ ما يقارب الشهرين مع خمسة آخرين من غير جنسيات. ولم تسفر، بعد، الجهود المبذولة لتخليصهما. إننا نذكرهما بصلاتنا، مع أهلهم، راجين تحريرهما مع المخطوفين الآخرين. ونسأل الله أن يمس قلوب الخاطفين بالمشاعر الإنسانية، فيطلقوا صراحهم، هم المنتهكة كرامتهم وحقوقهم في العيش الآمن والكريم ولا سيما في دفء العائلة. إن موت المسيح وقيامته تذكرنا جميعا بقيمة كل شخص بشري وبكرامته وقدسيته”.

وتابع: “أتيتم أيها الحاضرون، لكي نحتفل معا بالأحد الجديد. وهو الأحد الثاني من زمن قيامة الرب يسوع من الموت، ويسمى جديدا، لأنه بداية حياة جديدة فينا وفي العالم، تنبع من العهدِ الجديد الذي حققه المسيح بسر موته وقيامتِه، المتواصل في سر القداس، المعروفِ بالليتورجيا الإلهية، ليتورجيا الأحد، ويسمى جديدا لأن بالمسيح “صار كل شيء جديدا”(رؤ21: 6)، وابتدأ فينا الإنسان الجديد الذي نلناه بالمعموديةِ والميرون، ولبسنا رمزه، الثوب الأبيض، وهو رمز النعمة والحياة الجديدة. ويسمى جديدا، لأنه أصبح النموذج لكل يوم أحد، نحيي فيه فصح الرب الأسبوعي، فتلتقي الجماعة المؤمنة مع المسيح المخلص والفادي، الحاضر في سر القربان، وتجدد الإيمان به، وتنال الخلاص”.

وقال: “وقف يسوع في وسط التلاميذ والأبواب مغلقة”. مكان يسوع الدائم في وسط الجماعة، لأنه المنتصر على الخطيئة والموت، وهو الذي يجمع الجماعة ويوحدها، وهي تلتئم حوله وباسمه. جماعة المؤمنين تؤلف جسده الذي هو رأسه. في كل مرة تلتئم الجماعة المسيحية في قداس الأحد، يكون الرب يسوع في وسطها؛ وفي كل مرة “يجتمع اثنان أو ثلاثة للصلاة يكون هو بينهم”(متى18: 20). يسوع هو الألف والياء، الأول والأخير، البداية والنهاية”(رؤ1: 8). هو في الوسط، بصورة “الحمل المذبوح” الذي حمل خطايا العالم، وكفر عنها بموته على الصليب، وصالح الجنس البشري وكل إنسان مع الله، وأفاض من ذبيحة ذاته على الصليب الغفران والنعمة المتمثلة بأسرار الخلاص السبعة، وأصبح هذا الحمل الفصحي الجديد وليمة الحياة الإلهية التي تحيي كل إنسان. هذا الحمل المذبوح الممجد رآه يوحنا الرسول في رؤياه، إذ كتب: “وأراني نهر ماء الحياة براقا كالبلور، جاريا من عرش الله والحمل”(رؤيا 22: 1). ورأى يوحنا ليتورجيا السماء التي تمجد الحمل المذبوح: “ورأيت فإذا جمعٌ غفير، لا يحصى، من كلِ أمة وقبيلة وشعب ولسان، واقفون أمام العرش وأمام الحمل، وموشحون بالحلل البيضاء، وبأيديهم سعف النخل، وهم يهتفون بصوت عظيم قائلين: “الخلاص لإلهنا الجالس على العرش وللحمل. وكان جميع الملائكة واقفين حول العرش والشيوخ والأحياء الاربعة، فسقطوا على وجوههم أمام العرش وسجدوا لله قائلين: “آمين: البركة والمجد والحكمة والشكر والكرامة والقوة والقدرة لإلهنا إلى أبد الأبدين، آمين”(7: 9-12). إنها ليتورجيا السماء حول الحمل المذبوح الممجد، التي نعكسها في ليتورجيا الأحد، ذبيحة القداس، التي نقيمها أسراريا مع المسيح الكاهن الأسمى، الحاضر والمحتفِل ومانح ثمار الفداء ونعمة الغفران والخلاص من خلال خدمة كهنة الكنيسة. وقد تناقل الكهنوت في الكنيسة من الرسل، كهنة العهد الجديد، إلى يومنا، ويستمر حتى نهاية الأزمنة. وهكذا كل يوم أحد هو اليوم الجديد في الأسبوع، تجدده نعمة المسيح فادي الإنسان”.

وتابع: “أراهم آثار الصلب في يديه وجنبه”(يو20: 20). جراحه أصبحت علامة قيامته وبرهانها. فلما رآها توما صدق وآمن بأن يسوع قام من الموت، واكتشف أنه الإله وهتف: “ربي وإلهي”. هذا يعني أن جراحات يسوع جعلت جراح البشر وآلامهم علامة لولادة حياة جديدة فيهم. ألمْ يشبه الرب آلامه بآلام المرأة التي تلد(يو16: 21)؟ ألمْ تصبح مريم أمه بآلامها معه تحت الصليب أما ليوحنا ولكل إنسان، بل أما للبشرية جمعاء: “يا امرأة هذا ابنك، ويا يوحنا هذه امك”(يو19: 26-27)؟ ألم تولد الكنيسة، التي تمثل البشرية بأسرها، من موت المسيح، عندما “جرى من صدره دمٌ وماء”(يو19: 34)، كعلامة للمعمودية والقربان اللذين منهما يولد المؤمنون في الكنيسة ويغتذون بالنعمة ويؤلفون جسد المسيح الجديد، الذي هو الكنيسة؟ وجراح يسوع أصبحت هويته التي نعرفه من خلالها. وطبعت كل جرح في الإنسان، أكان جرحا جسديا أم روحيا أم معنويا أم نفسيا، وأعطته قيمة خلاصية، وأشركته في آلام الفداء. بل جراح يسوع جعلته يتماهى مع كل مجروح ومتألم: “كنت جائعا، عطشانا، عريانا، غريبا، مريضا، محبوسا وساعدتموني”(متى25: 35-36). فمن يخدمهم يخدم المسيح، ومن يساعدهم يساعده(متى 25: 40)”.

وقال لهم: “السلام لكم”(يو20: 26). يسوع الحامل آثار الصلب، والقائم من بين الأموات، يوجه إلى التلاميذ، كهنةِ العهد الجديد، تحية فيها عطية ذاته: “السلام لكم”. سيقول بولس: “المسيح سلامنا(أفسس2: 14). ويشرح هذا القول بأن سلام المسيح أسقط جدار العداوة بين الناس بصليبه، وأجرى مصالحتهم مع الله، وجعل من الجميع جسدا واحدا في شخصه(أفسس2: 13-16). سلامه يزرع الفرح في القلوب(يو16: 21-22)، ويعطي الشجاعة والثقة به في مواجهة صعوبات الحياة ومضايقها(يو16: 33). هذا السلام هو الروح القدس الذي يهبنا إياه المسيح الفادي ليحقق فينا ثمار الفداء. في الواقع، في ظهوره الأول، “نفخ يسوع في التلاميذ وقال لهم: “خذوا الروح القدس”(يو20: 22)، روح القيامة من خطاياكم ومن قديم حياتكم ومسلككم، لحياة النعمة والحياة الجديدة. لقد أصبحنا نحن المسيحيين مؤتمنين على سلام المسيح. نناله في كل يوم أحد من لقائنا مع المسيح في القداس، لكي نصنعه في عائلاتنا ومجتمعنا والوطن. وبذلك نكون حقا أبناء وبنات لله، وفقا لتطويبة الرب يسوع التي أرادها واحدة من مواد دستور الحياة المسيحية الذي أعلنه في عظة الجبل، المعروفة بإنجيل التطويبات: “طوبى للساعين إلى السلام، فإنهم أبناء الله يدعون”(متى 5: 9).

أضاف: “هذه رسالتنا كمسيحيين في لبنان وهذا المشرق. الجميع يتطلع إلى لبنان كعنصر سلام واستقرار في الشرق الأوسط. لقد ذكرت في رسالتي العامة الثانية “إيمان وشهادة” بما كتب الطوباوي البابا يوحنا بولس الثاني في الإرشاد الرسولي “رجاء جديد للبنان”، أن جميع الأنظار تتجه إلى لبنان، لأنه إحدى منارات البحر الأبيض المتوسط”(الفقرة 1). فلبنان كان دوما، وهذه دعوته التاريخية أن يكون المكان المميز للتلاقي ولحوار الأديان والحضارات، وعنصر استقرار وسلام في محيطه المشرقي، وواحة فريدة لشعوب المنطقة”(صفحة 53، فقرة 39). وقداسة البابا بندكتوس السادس عشر شاء أن يعلن من لبنان سلام المسيح لبلدان الشرق الأوسط: “سلامي أعطيكم”، أثناء زيارته التاريخية في أيلول الماضي، وأراد أن يوقع في لبنان بتاريخ 14 أيلول 2012 الإرشاد الرسولي: “الكنيسة في الشرق الأوسط، شركة وشهادة”. حيث كتب ان “السلام هو حالة الانسان الذي يعيش بانسجام مع الله، ومع ذاته، ومع كل إنسان، ومع الطبيعة. والسلام قبل أن يكون خارجيا، فهو داخلي. إنه بركة ورغبة ودعاء. السلام عدالة ونمو للشخص البشري وللمجتمع. لكن السلام يبدأ في الإنسان بالعودة إلى الله بروح التوبة، وبعيش الغفران في عائلته ومجتمعه ووطنه، ويشد روابط الأخوة مع جميع الناس”(فقرة 9-10).

وتابع: “المسيحيون والمسلمون في لبنان مؤتمنون على سياسة السلام، المعروفة بالعيش المشترك المنظم في الدستور، والقائم على المشاركة المتوازنة والمتساوية في الحكم والادارة، بروح الوفاق والحوار، وبتعزيز الممارسة الديموقراطية واحترام الحريات العامة وحقوق الانسان الأساسية. لقد عشنا بالأمس فرح التوافق على تسمية رئيس جديد للحكومة، نأمل أن تكمل الأيام الآتية فرحنا بالتوافق على قانون جديد للانتخابات يكون عادلا ومنصفا ومناسبا لجميع مكونات المجتمع اللبناني، ويضمن للمواطنين أفضل تمثيل لهم في الندوة البرلمانية، بصوتهم الحر والفاعل والمسؤول، وبالتوافق على شكل الحكومة وأعضائها. وبذلك يسهم لبنان بالعمل والصلاة والمثل في بناء السلام في بلدان الشرق الأوسط، ولا سيما في سوريا، ويزرع السلام في كل شخص يقصد ربوعه وبخاصة الأخوة النازحين إليه، وينظم السلام الاجتماعي والأمني والسياسي”.

وختم الراعي: “ابدأ غدا بنعمة الله رحلة راعوية تبدأ في باريس ثم في أميركا الجنوبية حيث نزور جالياتنا في سبعة بلدان هي: الارجنتين، البرازيل، أورغواي، باراغواي، فنزويلا، كوستاريكا وكولومبيا ثم نعود الى روما فلبنان في اواخر الشهر المقبل. اتكل على صلاتكم واحمل معي تحياتكم وأمنياتكم الى جالياتنا اللبنانية في هذه البلدان، ونأمل أن تتم الامنيات في هذه الايام التي ذكرتها، وهكذا أقول معكم: ليبقى لبنان، كما هو في الكتاب المقدس، نشيد تمجيد وتسبيح لله، الآب والابن والروح القدس، إلى الأبد، آمين. المسيح قام، حقا قام”.

بعد القداس، استقبل الراعي في صالون الصرح، العماد عون وأعضاء التكتل، وهم: الوزراء جبران باسيل، نقولا صحناوي، غابي ليون، شكيب قرطباوي وفادي عبود، والنواب: نعمة الله أبي نصر، زياد أسود، عباس هاشم، نبيل نقولا، ميشال حلو، سيمون أبي رميا، وليد خوري، غسان مخيبر، ابراهيم كنعان، ناجي غاريوس، إميل رحمة، فريد الخازن، يوسف خليل، جيلبرت زوين، حكمت ديب، إدغار معلوف وسليم سلهب، والنائب السابق شامل موزايا، قدموا التهاني بالفصح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى