المقالات

التطورات في سورية وحولها تحت مجهر دراسة لجمال واكيم . قراءة تنطلق من التاريخ لتغوص في الحاضر والمستقبل. لهذه الاسباب لن يسقط “النظام” – إعداد حسان الحسن –

بعد عون جاء دور الراعي… والسبب واحد. عشية القداس السنوي: القوات اللبنانية شعب تحت قبة البرلمان : أنت عميل ، أنت سرقت مغارة جعيتا ، أما انت فسرقت البنزين .
الراعي الصالح… هومن ينقذ الرعية (العميد امين حطيط)

لطالما شكلت سورية محطّ اهتمام المحللين والمراقبين الدوليين والإقليميين نظراً لدورها الاستراتيجي والمحوري في المنطقة ككل، وتأثيرها تالياً على مجريات الأمور عربياً وإقليمياً ودولياً. فكيف الحال حين تكون المنطقة تغلي على وقع ثورات متنقّلة، ظاهرها إصلاحي، أما باطنها فأبعد من ذلك بكثير…؟! وأكثر كيف الحال حين تكون سورية ذاتها مسرحاً لمثل هذه التحركات؟
فالتطورات الأخيرة في سورية وقبلها في تونس ومصر وليبيا، جعل الأنظار تشخض بقوة إلى المنطقة ككل، وتحديداً إلى سوريا إحدى أبرز دول الممانعة، وفتحت الباب على مصراعيه أمام التحليلات والقراءات التي تلامس بغالبيتها الرأي السياسي أكثر منها قراءة موضوعية وواقعية وعلمية لخلفيات التطورات وأبعادها. فيما الحاجة أكثر من ماسّة لمثل هذه الدراسات التي تستند إلى التاريخ والجغرافيا قاعدةً، فتستقي منهما الدروس والعِبر وتعكسها على الحاضر الذي يؤشر لصورة المستقبل.

هذه الصورة البانورامية بين وقائع التاريخ والجغرافيا وتطورات الحاضر والمخططات الغربية للمستقبل، يرسمها بدقة الباحث الاستراتيجي والدكتور في العلاقات الدولية جمال واكيم في دراسة تخوض في عمق المؤشرات والتطورات، وتبتعد عن زواريب المواقف السياسية الضيقة. وفي ما يأتي تفاصيل هذه الدراسة – القراءة.
تتأثر سورية تاريخياً بثلاثة نطاقات جيوسياسية، وهي: بلاد ما بين النهرين، بلاد الأناضول ومصر، لأن المنطقة الشرقية من سورية هي امتداد لبلاد ما بين النهرين، والمنطقة الشمالية هي امتداد لكيليكيا، والمنطقة الجنوبية هي امتداد للأمن القومي المصري، الذي يبدأ في سيناء مروراً فلسطين، ويصل مدينة دمشق.

إضافة إلى أن المنطقة الجنوبية- الشرقية من سورية، مفتوحة دائماً على تأثيراتٍ آتيةٍ من شبه الجزيرة العربية، لأن البادية السورية تشكل امتداداً لهضبة نجد.
تعتبر سورية منذ فجر التاريخ عقدة المواصلات العالمية، فطريق التجارة الآتية عبر المحيط الهندي وصولاً الى الخليج العربي وبلاد ما بين النهرين، كان تعبر نهر الفرات ودجلة وتصل إلى منطقة الفرات الأعلى، التي تمتد اليوم بين تركيا وسورية، وتصل الى البحر المتوسط.
والطريق الثانية كانت تبدأ من الهند مروراً بالبحر الأحمر والحجاز وصولاً الى داخل سورية، أو ساحلها وتمتد نحو أوروبا، وهناك طريق برية، تبدأ من الصين وتعبر في شمال سوريا.
إن هذه الجغرافيا، جعلت سورية عرضة دائماً لتأثيراتٍ آتيةٍ من النطاقات الجيوسياسية المذكورة، إضافة لتأثيرات أخرى آتية من شبه الجزيرة العربية.

أما السؤال المطروح راهناً، فكيف يمكن تطبيق هذه النظرية على ما يحدث اليوم في سورية؟

بعد استقلال سورية، تكونت الجمهورية العربية السورية، وهي كيان سياسي حديث، لم يكن موجوداً في التاريخ، وكانت سورية منذ بدء تكوينها عرضةً الى اللااستقرار، بحكم تأثرها بالنطاقات الثلاثة الآنفة الذكر.
وهذا ما يفسر الانقلابات التي كانت تحصل في خمسينيات وستينيات القرن الفائت.
ولكن مع وصول الرئيس حافظ الأسد إلى الحكم، تغيّرت المعادلة، فأمسك بالداخل السوري، أي بمدينة دمشق، مستعيناً بالجهاز الأمني، من أجل تثبيت الحكم وقلب المعادلة السابقة، فبدلاً من أن تتأثر المنطقة الشرقية بالعراق، أصبحت سورية تؤثر في العراق، وكذلك الأمر بالنسبة للمنطقة الساحلية التي كانت تتأثر بكيليكيا، فأصحبت تؤثر في تركيا، وهذا ما ينسحب أيضاً على المنطقة الجنوبية، عبر عقد تحالفات بين الأسد وبعض الفصائل الفلسطينية واللبنانية والتأثير في السياسة الفلسطينية واللبنانية، وبالتالي التأثير في سياسة المنطقة ككل، فأصبح هناك معادلة جديدة أصحبت من خلالها “السياسية السورية فاعلة وليست منفعلة”.
مؤخراً طرح مشروع أميركي لمنطقة الشرق الأوسط، وهناك ضرورة للولايات المتحدة للسيطرة على هذه المنطقة، لتحديد مكاسب عدة  أبرزهاة:

الهدف الجيوسياسي: أي معادلة السيطرة على المنطقة ورسم سياسات معينة مع دول أخرى عبر السيطرة المذكورة.
فبالنسبة للولايات المتحدة، السيطرة على منطقة الشرق الأوسط الممتدة من شمال أفريقيا، المحيط الأطلسي، وحدود الصين بما فيها: باكستان وأفغانستان، تعطي الولايات المتحدة اليد الطولى في تحديد علاقاتها الدولية مع الدول المنافسة أي: أوروبا وروسيا والصين واليابان.
وبالنسبة لأميركا أيضاً، إن إحكام السيطرة على المنطقة يمكنها من الفصل بين أوروبا وأفريقيا من جهة وبين أوروبا وروسيا من جهةٍ أخرى، ومنعها من الوصول الى البحر المتوسط، والمحيط الهندي.
كذلك تمنع السيطرة على هذه المنطقة، الصين من الوصول الى المتوسط، الذي يشكل عقدة المواصلات العالمية منذ فجر التاريخ، كذلك تمنعها من تحقيق اختراقات في أفريقيا.
وفي سبيل تحقيق هذا الهدف، بدأ الأميركيون منذ تسعينيات القرن الفائت بالتجهيز للاستراتجية الكبرى، كلاعب الشطرنج الذي يجهز حجاره قبل الهجوم، وبدأت بالتنفيذ مع وصول جورج بوش الابن في العام 2001 الى الحكم، من خلال الحرب على أفغانستان، تحت ذريعة الرد على الهجوم الذي تعرضت له في 11 أيلول 2001.

لماذا أفغانستان؟
لأنها تضع الولايات المتحدة على الحدود الغربية للصين، وعلى مقربة من سيبيريا والتي تشكل الحديقة الخلفية لروسيا.
أما ضرب العراق فكان وفق حساباتهم، سيحدث صدمة بما سمته كوندوليزا رايس الفوضى الخلاقة، وإعادة رسم جغرافية المنطقة بأقل التكاليف الممكنة، غير أنها لاقت مقاومة لهذا المشروع من أطراف عدة.
ونتدرج بتسمية هذه الأطراف؛ إيران كقوة إقليمية عظمى وكنقطة تقاطع روسية- صينية، وبالتالي كانت إيران داعمة للمقاومة العراقية التي كبّدت الولايات المتحدة خسائر فادحة. وسورية كقوة عظمى، لأنها تتوسط ثلاث قوى عظمى، تركيا والعراق ومصر من الناحية الجيوسياسية.

فالرئيس حافظ الأسد نسج علاقات مع مختلف القوى العالمية، وكان عندما يختلف مع دولة معينة، يعتمد في مواجهتها على دولةٍ أخرى، فلم يقع في تاريخه تحت الهيمنة السوفياتية كما كانت دول أوروبا الشرقية، وكان في الوقت عينه قادراً على مواجهة الولايات المتحدة بالاعتماد على الدعم الروسي. ثم عقدت سورية تحالفاً مع إيران غداة انتصار الثورة الإسلامية فيها، وأهميتها بالنسبة لإيران، أنه أصبح لها إطلالة على البحر المتوسط. وكذلك الأمر بالنسبة لحكم العلاقة بين سورية وروسيا والصين اللتين أصبح لهما إطلالة على البحر المتوسط، وهذه الإطلالة ليس من السهل إطلاقاً أن تضحي بها كلٌّ من ايران وروسيا والصين.

وبالعودة الى السياسة الأميركية، فعندما وجدت الولايات المتحدة مقاومة لمشروعها، وشعرت بفشل حربها في أفغانستان والعراق، كان لزاماً عليها أن تقيم خطاً دفاعياً عن الشرق الأوسط الأصغر الذي يضم البلاد العربية، والأهم أن تمنع وصول أي قوة معادية الى المتوسط.
فسوريا، تشكل نقطة اختراق روسي إيراني صيني لهذا الخط الدفاعي، وإيران من جهة أخرى، اخترقت البحر المتوسط من خلال علاقتها مع سورية وحزب الله، والمنطقة الممتدة بين فلسطين ومصر من خلال علاقاتها مع فصائل المقاومة الفلسطينية، والبحر الأحمر من خلال العلاقة مع الحوثيين.
فكان الرد الأميركي على هذا التمدد، الذي يعني في حقيقته تمدداً روسياً- صينياً، عبر اعتماد ما يسمى بدول الاعتدال العربي وعمادها مصر والسعودية، الأولى بما تمثل من عراقة عربية، والثانية بما تحتوي من قوة مادية وتأثير ديني لمواجهة التمدد الإيراني، وتنضم إليهما تركيا عبر حزب العدالة والتنمية.

فما هي حقيقة دعوات سورية لتنفيذ الإصلاحات؟
هي دعوات سورية لقطع علاقاتها مع إيران، لتتحول عندها نقطة تلاقي سعودي- تركي لإقفال المنطقة على إيران.
وقد حاولوا عبر القرار 1559، ضرب سلاح حزب الله، عبر احتوائه سياسياً، لتفتقد سورية وإيران ورقة استراتيجية مهمة في وجه اسرائيل، ثم إخراج سورية من لبنان كخطوة أولى لإسقاط النظام في سورية، وهذا ما اتفق عليه الرئيسان الأميركي جورج بوش والفرنسي جاك شيراك في لقاء النورمودني، وكان شيراك يرى أن سورية يجب أن تكون من ضمن المثلث السني، وليس نقطة اختراق إيراني للوصول الى المتوسط.
وبدأ منذ ذلك الحين عدّ العدة لتغيير المعادلة، حتى اندلعت الثورات العربية، ولتطويق الثورة المصرية، اعتمدوا هذه النظرية وهي “عندما تريد تطويق حريق كبير، يجب إشعال حرائق صغيرة حوله”، فاندلعت الثورات في الأقطار التي كانت تتأثر بمصر تاريخياً وهي: ليبيا، اليمن وسورية، ولتخفيف الضغط على الأردن، والسعودية وسلطنة عمان والبحرين.
للأزمة في سورية جوانب عدة:
الفساد، ضعف الحياة الديموقراطية، سطوة الأجهزة الامنية، وأخطرها كانت السياسة الليبرالية التي قادها وزير الاقتصاد السوري السابق عبد الله الدردري، والتي أضرّت بمصالح الطبقات الفقيرة في الريف، وهذا ما شكّل الأرضية لتفجير الوضع.
ولكن من أين أتى التفجير؟ لقد أتى من منطقة درعا في جنوب سورية التي كانت تتأثر بمصر والسعودية، وأسهم في ذلك عاملان؛ الخلل الأمني في مصر نتيجة الثورة، وتحريض السعودية بعض المجموعات السلفية على التحرك.

وفي هذا الصدد لدى تركيا تخوف من أي خلل أمني في سورية، خوفاً من انتقاله الى شرق الأناضول ذات الغالبية العلوية والكردية، من هنا جاءت دعوتهم للإصلاح، خوفاً من التفجير، ثم أتى الضغط الأميركي على تركيا فانخرطت باللعبة، وسياسة وزير خارجيتها داوود أوغلو واضحة، إذ يؤكد أن السياسة التركية يجب ألا تتناقض مع الدور الغربي في المنطقة.
والدور الغربي هو السيطرة الأميركية على المنطقة، وعندما يكون الوضع الأميركي غير مستقر في العراق وأفغانستان، يجب السيطرة على الخط الممتد من تركيا شمالاً عبر سورية الى الأردن فالخليج العربي، وهنا تحصر إيران بهضبة إيران وبنفوذ جزئي في العراق.
لكي يتم ذلك يجب إسقاط النظام في سورية وهذا ما تجري محاولته
ولكن النظام في سورية، بقي متماسكاً لعوامل عدة:

أولاً- صمود الجيش الذي لم يتعرّض لأي انشقاق كما حصل في ليبيا.
ثانياً- تماسك الأجهزة الأمنية.
ثالثاً- بدء الرئيس الأسد بالحركة الإصلاحية، بحيث افتتح قبل اندلاع الأزمة بحوالي أسبوع سداً في الحسكة لإنعاش الريف، لكن ذلك لم يؤدِ دوره المطلوب تماماً، فانفجرت الأزمة في الأرياف، وكان هناك تدخل خارجي لإذكاء هذه الحركة. إنما تمكّن النظام من احتوائها، بفضل جدية الأسد في إقصاء رموز الفساد، وبفضل الدعم الروسي – الصيني المطلق له، خلافاً لما جرى في ليبيا، فهما لن يخدعا مرتين.

إضافة الى العامل الإيراني الذي كان سيمنع روسيا والصين من التخلّي عن النظام في سورية، لأنه في حال خسر سورية يعني أنه خسر ورقة حزب الله، كورقة استراتجية في الصراع مع إسرائيل وبالتالي تعرّض أمنه للخطر إن بحرب عسكرية أو من خلال إذكاء حركة احتجاجية تحت عنوان إصلاحي كما حصل في السابق. ولكن سورية صمدت حتى الساعة، وأفقد الأسد دول الغرب كل الأوراق التي يعتمد عليها في الداخل، وصار لدى هذا الغرب تخوّف من استدارة الأسد بشكل كامل نحو دول الشرق، وهذا ما أعلنه في مقابلته التلفزيونية الأخيرة، ومن هنا جاء تصريح وزير الخارجية القطرية “يهمنا الاستقرار في سورية” وهي دعوة مبطنة للأسد بعدم قطع العلاقة نهائياً مع الغرب.

ولكن الأسد أثبت أنه مستعد أن يتحمل خسائر سياسية عندما يتم المس بالثوابت التي يؤمن بها، وما كان يحضّر هو تقسيم المنطقة بكاملها.
وانقسام المعارضة السورية ما هو إلا دليل على انقسام للقوى الداعمة لها، وطالما لم يستطيعوا إزالة النظام، فسيتعاطون مع الواقع لا محال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى