المقالات

سيميائية وطرائقها الفريدة في التعبير عن المزاج والتوجّه العام \ عبير بسّام \ المصدر: موقع العهد الاخباري

السيمولوجيا أو السيميائية، بالتعريف هي علم العلامات أو الإشارات أو الدول اللغوية أو الرمزية، سواء كانت طبيعية أم اصطناعية، ويضعها الناس عن طريق اختراعها أو اصطناعها بالاتفاق ما بين بعضهم البعض. وتكون ذات دلالات ومقاصد محدّدة. والسيميائية لا ترتبط بحالٍ إنسانية محدّدة فهي تطال جميع نواحي الحياة، حتّى إن المسلسلات التي تلقى رواجًا في الشارع، سرعان ما ترتبط بعض التعابير والأفعال بشخصية من القصّة المسرودة، أو بتعبير ما، ويبدأ الناس باستخدامه للتعبير عن حالٍ معينة. فعلى سبيل المثال، من أهم الكلمات أو الدلالات التي أنتجتها السيمولوجيا، خلال سني الصراع مع الكيان الإسرائيلي، هي الأسرلة، وهي مرتبطة بكلمة “إسرائيل” بما تعنيه من اغتصاب للبيوت والأراضي والحقوق. بمعنى أنك إذا ما دخلت بيتًا واحتللته، فقد تمت أسرلة البيت.

ابتدأ التحدث عن الأسرلة أو “Israeld”، بين المتحدثين باللغة الإنكليزية حول العالم وبين المتعاطفين مع القضية الفلسطينية. وهو مصطلح انتشر على منصة إكس، ويدل على السرقة واغتصاب الأملاك. واللافت أن هؤلاء ابتدؤوا يستخدمون هذا التعبير بدلًا من كلمة “نُشلت محفظتي”، في حال التعرض للسرقة والنهب، وهو أمر لافت، وله دلالات عميقة في التاريخ الحديث وبتوجه المزاج العام للناس حول العالم. ومن هنا يمكننا أن نفهم كيف أن التعابير السيمولوجية أو السيميائية تأخذك بحق نحو المزاج العام لأي شارع في العالم.

هناك مجموعة من التعابير التي اعتدنا سماعها، والتي تختصر جملًا طويلة، لأنها باتت تعبيرًا قائمًا يضمّ صفحات من الشرح، كأن نقول أطلقت “رصاصة الرحمة” على الاتفاق الفلاني. فالرصاصة لم تكن يومًا تحمل الرحمة في طياتها، ولكن تعبير “الله يرحمه، أو تغمده الله سبحانه برحمته” دليل على أن الشخص قد مات، من دون أن نقول فلان أو فلانة قد ماتا. وبالتالي؛ رصاصة الرحمة المطلقة على الاتفاق أنهته، ولذلك إذا ما قام الكيان الصهيوني باحتلال قطاع رفح كما يهدّد ويتوعد، ومن ثمّ سيقوم بالسيطرة على المعبر من ناحية مصر، ولو أدى ذلك إلى الاشتباك مع الجيش المصري، فإنه سيطلق رصاصة الرحمة على اتفاق كامب ديفيد.

عندما نتحدث عن بداية الحرب في أي مكان، فإنّ التعبير المستخدم في اللغة العربية، انطلقت “شرارة الحرب” في العام كذا وكذا، ومن ثمّ نعدد الأسباب المباشرة وغير المباشرة لدخول الحرب. شرارة أدت إلى بدء الحرب، والشرارة يمكنها أن تتسبب بحريق كبير يأتي على غابة “بأمها وأبيها”، وهذه أيضًا من التعابير السيميائية التي يمكن أن تستخدم في الحروب، إذ يمكننا القول إن المقاومة قضت على مجموعة معادية كاملة، بأمها وأبيها، وأردتها بين قتيل وجريح.

من التعابير التي باتت مستخدمة، وبشكل واسع خلال الصراع مع العدوّ الصهيوني، تعبير “تهويد القدس”، وكأننا يمكن أن نقلب المدينة لتصبح يهودية، مع العلم أن تعبير أسلمة أية مدينة أو “ميسحة” أي مدينة تعبير لم يخطر على بال أحد استخدامه وإجراء لم يلحق بأي مدينة أو دولة في العالم، حتّى تلك المدن والدول التي اعتنقت الإسلام خلال 1000 عام من المدّ والفتح العربي الإسلامي، ولا في مراحل انتشار المسيحية حول العالم. فالتعابير المستخدمة تتصل بحالات محدّدة. ولكن نحن نستخدم وبشكل متزايد تعبير “تعريب المناهج”، لما في ذلك من أهمية متزايدة في إبراز الهوية العربية. إذا واحدة من أسباب ظهور التعابير السيمولوجية أو السيميائية لها علاقة بالحاجة للتغيير والتعبير عن الذات.

هناك تعبير يتعلق بـ”الفرنسة” انتشر حول العالم، وهو “الفرنكفونية”، وهو تجمع للدول التي تتحدث اللغة الفرنسية، والتي فرضها الاستعمار الفرنسي حول العالم، وخاصة في إفريقيا ولبنان وسورية، والغريب أن هذا الأمر لم تستطع فرنسا فرضه في سورية، ويُحارب حتّى هذه اللحظة في الجزائر والتوجّه نحو التمسك باللغة العربية. الأمر له علاقة بأمرين، الأول على مستوى العلامات السيمولوجية اللسانية، وبالتالي دراسة اللغة والكلام وهذا يعتمد كثيرًا على علم القواعد والتصريف والقدرة على التأنيث والتذكير، وقوة اللغة السائدة في البلاد، مثل تعبير “قوى الاستكبار العالمي”، للتعبير عن فظاعة الدور الأميركي والغربي حول العالم. والثاني، له علاقة بالعلامات غير اللسانية في التواصل بين البشر مثل الشم واللمس والنظر، ويمكننا أن نفهم ذلك من خلال التعابير السيمولوجية الحربية، “قرعت طبول الحرب” أو انتشرت “رائحة الدم والبارود” تعبيرًا عن قساوة ما حدث من قتل وتنكيل.

وهناك تعابير تفرضها طبيعة المعركة، وبعضها يجعل الحرب تنحى منحًا جديدًا، وخاصة عندما يبدأ انتصار جهة على جهة أخرى. خلال الحرب السورية منذ العام 2011، انتشر تعبير “الشّبيحة”، الذي تلازم مع قتال الجيش السوري ضدّ المجموعات الإرهابية في سورية. ولكن التعبير بات تعبيرًا إيجابيًا واتّخذ طابعًا من الفخر والشرف، وخاصة مع بدء اندحار الإرهابيين في القصير وفي دمشق في العام 2015، وبدأ التعبير يأخذ منحى أحيانًا يستجلب الفرح الإيجابي. كما ظهر خلال الحرب السورية تعبير “محور المقاومة” لأول مرة، ولم يكن أحد يتحدث قبل ذلك بتشكّل محور جديد في المنطقة؛ حتّى إن تعبير محور المقاومة بدأ يأخذ طابعًا يستفز العدو.

من أهم التعابير التي ظهرت بعد عملية “سيف القدس” في العام 2021، تعبير “وحدة الساحات”. تعبير جديد! ارتبط بفتح الساحات في مختلف دول محور المقاومة. تعزز هذا التعبير بعد عملية “طوفان الأقصى” في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023. إذ فُتحت الساحات التي تضامنت مع الفلسطينيين في غزّة في جبهة لبنان في الجنوب، وفي اليمن، في البحر الأحمر وفي العراق ضدّ المواقع الأميركية في العراق وسورية والأردن. وحدة الساحات تبدأ اليوم بأخذ منحى أكبر في تضامن الشباب والشابات مع بعضهم البعض، حيث سيستخدم التعبير، كما استخدمت التعابير الأخرى للتعبير عن التضامن الاجتماعي والتضامن الإنساني. وحتّى تعبير طوفان الأقصى، في الحقيقة يمكن استخدامه في التعبير عن “طوفان لليمن” في البحر الأحمر، والذي يحمل أعظم البطولات في طياته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى