الأخبار اللبنانية

الرئيس ميقاتي في لقاء تشاوري مع هيئات المجتمع المدني: إنقسامات القوى السياسية لا تصيب المعنيين بها فحسب بل تضرب وبشدة قيماً أساسية قام عليها لبنان عبر تاريخه

أكد رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي “أن إنقسامات القوى السياسية لا تصيب المعنيين بها فحسب، بل تضرب، وبشدة، قيماً أساسية قام عليها لبنان عبر تاريخه القديم والجديد، وتفقد وطننا الكثير من مكونات المناعة التي ميّزته وجعلته النموذج الذي يحتذى به”. وشدد على “أن مسؤوليتنا جميعا كبيرة ودقيقة في تجنيب وطننا هذه المخاطر التي إن وقعت فإن مفاعيلها لن تميز بين معارض وموال، بين وسطي ومنحاز، بين أكثري وأقلي ،فجميعنا سنصبح إذ ذاك في مركب واحد، حمى الله هذا الوطن”.

كلام الرئيس ميقاتي جاء قبل ظهر اليوم في السرايا في خلال لقاء تشاوري عقده مع عدد كبير ممثلي هيئات ومنظمات المجتمع المدني في لبنان بهدف تعزيز وتفعيل العلاقة بين القطاعين الرسمي والأهلي، وذلك في حضور وزير الشؤون الإجتماعية وائل أبو فاعور.

الوزير أبو فاعور

وفي المناسبة قال وزير الشؤون الإجتماعية وائل أبو فاعور: نشكرك دولة الرئيس على هذا اللقاء مع هذه الكوكبة من وجوه العمل الإجتماعي الذين، من حسن حظي في وزارة الشؤون الإجتماعية، تعرفت على قسم كبير من أصحاب هذه الوجوه التي لها أيادي خيرّة كثيرة في لبنان. المجتمع المدني أو المجتمع الأهلي، وبصرف النظر عن التعريف أو التوصيف، كان له دور كبير وحيوي في لبنان، وكان من الممكن أن يكون في موقع الشراكة مع الدولة، لكن للأسف في مراحل متعددة، ونتيجة غياب الدولة، إضطر المجتمع المدني أو الأهلي أن يحل مكان الدولة، ليس رغبة في تقاسم السلطة أو الحلول مكان الدولة أو أن يكون بديلاً عن هذه الدولة، ولكن نتيجة تقصير الدولة في الكثير من القضايا.

أضاف: لو سمحت لي دولة الرئيس سأقول كلمة محبة لهيئات المجتمع المدني والمؤسسات والجمعيات، هناك شخص أنتسب إليه بالفكر وبالسياسة إسمه كمال جنبلاط يقول “إن المؤسسات تقوى بتطهير نفسها”، وأنا أقول إمتداداً من كلام كمال جنبلاط أن المجتمع المدني يقوى بتطهير نفسه. هناك الكثير من المؤسسات والجمعيات الكفوءة والجديرة والنزيهة والمحترمة، ولكن على الجمعيات أن تطهّر نفسها من أوهام الجمعيات، التي،وللأسف تلقي الكثير من الأسئلة حول العمل الإجتماعي في لبنان، وأنا مقتنع أن المجتمع المدني والأهلي الحيوي يجب على الدولة أن تقف إلى جانبه، ولكن يجب أن يقف هو إلى جانب نفسه في عملية التطهير التي يجب أن يقوم بها.

تابع: دولة الرئيس أنا أحيي هذه المبادرة الخلاّقة والسباقة من قبلكم لما فيه خير المجتمع، فالسلطة، وهذه قناعتك وقناعتنا، تحتاج إلى شريك لا بل أحياناً تحتاج إلى نّد، وأنا أدعو أن تكون هيئات المجتمع أو الأهلي ليست فقط شريكاً بل أيضا نداً للسلطة، لأنه في أحيان كثيرة إذا لم يكن للسلطة مَن يحاسبها ومَن يراقبها ومَن يلفت النظر أو يرفع الصوت كحد أدنى، تحولت إلى سيل جارف قد يأخذ في طريقه الكثير من الأمور بما فيها حقوق الناس. شكراً دولة الرئيس على هذه المبادرة ونحن كوزارة شؤون إجتماعية، وبتوجيه من دولتكم، إلى جانب هذه المبادرة في كل ما نستطيع تقديمه.

الرئيس ميقاتي

وقال الرئيس ميقاتي في كلمته: أرحب بكم، في هذا اللقاء الأول مع منظمات المجتمع المدني الذي أردناها مناسبة لنفكر معاً في كيفية الوصول إلى رؤية تعزز دوركم في خدمة المجتمع والنهوض بأوضاعه، والحد، في هذه الظروف، من الإنقسام الكبير في مجتمعنا والذي يضر الوطن، ويعرقل الوصول إلى ما نبتغيه جميعاً وهو قيام الدولة القوية التي تحمي الجميع عندما تكون عادلة وتستمد قوتها من القوانين التي تطبقها على الجميع بسواسية ومن دون تمييز أو محاباة أو تسلط.

وإذا كان لبنان يستمد جزءاً أساسياً من قوته من وجود المؤسسات والجمعيات الأهلية وفاعلية دورها كشريك أساسي  في التقدم والتنمية، فإن الواقع يظهر أن هذا الدور موجه في غالبيته نحو الفئات الأكثر فقراً وحاجة في مجتمعنا، الأمر الذي يضع هذه المنظمات أمام تحد إضافي أكبر في المجال التنموي وتوعية الناس على الحقوق والعدالة الإجتماعية.

أضاف: من هذا المنطلق دعونا إلى هذا اللقاء من أجل تعزيز التعاون بين القطاعين الرسمي والخاص والهيئات المدنية للبحث في وضع إستراتيجية تنموية مشتركة. وكنا أعددنا “خطة العمل الحكومي للإصلاح الإقتصادي والإجتماعي” وأدخلنا التعديلات المقترحة عليها، وهذه الخطة تشمل مجموعة إصلاحات مؤسساتية ومالية وإنمائية موزعة على ستة محاور، تترجم من خلال ما يقارب سبعين مشروعاً. كذلك بحثنا مع الوزارات المعنية وهيئات المجتمع المدني في شأن خطة العمل اللبنانية – الأوروبية للأعوام 2014-2017 وناقشنا الخطة مع هيئات المجتمع المدني في إجتماع عقد في السرايا في شهر تموز الفائت. أيضاً أحال مجلس الوزراء على المجلس النيابي “مشروع قانون الحق في الحصول على المعلومات” كما أصدرت تعميماً على الإدارات والمؤسسات الحكومية يقضي بنشر كل مشاريع النصوص القانونية على المواقع الإلكترونية الحكومية وذلك لإشراك أوسع شريحة ممكنة من الجهات المعنية في تطوير التشريعات وتفعيل السياسات القطاعية.

وقال: إن إهتمامنا بالمسائل التي تعنى بها مجتمعاتنا، يتم بالتزامن مع متابعتنا لما يجري في منطقتنا العربية من حراك شعبي يطالب بالمزيد من الحرية والديموقراطية والعدالة الإجتماعية وتكافؤ الفرص، مما يقتضي التعاون بيننا جميعاً، حكومة وقطاعات إقتصادية وإنتاجية ومنظمات مجتمع مدني، لدرء إنعكاساتها السلبية على لبنان. من هنا فإنني أدعو إلى العمل على وضع رؤية جديدة تقوم على الشراكة بين القطاعين الرسمي والخاص والمجتمع الأهلي. وستتبلور هذه الرؤية عبر إنشاء لجان مشتركة أهلية وخاصة تتعاون مع الوزارات وبالتنسيق مع مكتب رئيس مجلس الوزراء. هكذا يتم ترسيخ العمل التطوعي، ثقافة وفعلاً، وتعزيزه بالقيم المجمع عليها، وتحفيز الجمعيات والمؤسسات على تحقيق إنتاجية أفضل ورفد قوة العمل الطوعي ومبادراته بالشفافية والمحاسبة. كما أدعو جمعيات المجتمع المدني، التي إختارت طواعية رسالتها وأهدافها ورؤيتها ووسائلها، إلى التركيز أكثر فأكثر على مواردها الخاصة التي تفعِّل دورها وتؤكد إستقلاليتها من جهة، وتجعلها، من جهة ثانية، قوية ومتجددة طالما تتنوع مصادر تمويلها من المجتمع وقطاعاته المنتجة.

أضاف: كذلك أرى ضرورة تحفيز الجمعيات الأهلية لتكون نماذج رائدة في الديموقراطية والشورى وذلك بتوسيع قاعدة مشاركة أعضائها، وبتداول السلطة والمسؤولية في ما بينهم. كما أدعوكم إلى القيام بدوركم الوطني الجامع والداعي للحوار ولتنقية الأجواء في مواجهة بعض إنقسامات القوى السياسية. إن هذه الإنقسامات لا تصيب المعنيين بها فحسب، بل هي تضرب، وبشدة، قيماً أساسية قام عليها لبنان عبر تاريخه القديم والجديد، وتفقد وطننا الكثير من مكونات المناعة التي ميّزته وجعلته النموذج الذي يحتذى به. من هنا مسؤوليتنا جميعاً كبيرة ودقيقة في تجنيب وطننا هذه المخاطر التي إن وقعت – لا سمح الله – فإن مفاعيلها لن تميز بين معارض وموال، بين وسطي ومنحاز، بين أكثري وأقلي. كلنا سنصبح إذ ذاك في مركب واحد. حمى الله هذا الوطن.

وقال: من هنا، أيها الأعزاء، تقوم مقاربتي للمسؤوليات الحكومية التي تحملتها منذ عام ونصف العام تقريباً، على مسلمات لن أحيد عنها مهما إشتدت الضغوط وتنوعت من سياسية إلى إقتصادية وأمنية: إن أولى هذه المسلمات هي المحافظة على الإستقرار النسبي مهما كانت التضحيات كبيرة، وثانيها حماية الوحدة الوطنية ومنع المساس بصيغة العيش الواحد التي إرتضيناها وتكرست أكثر فأكثر في إتفاق الطائف الذي يبقى المنطلق والأساس، وثالثها تفعيل دور لبنان في محيطه العربي وتعزيز علاقاته مع الدول الشقيقة والصديقة وشعوبها والتأكيد على ريادته في العمل على تفعيل حوار الحضارات.

وقال : إذا كنا نعتبر فعلاً أن وطناً مثل لبنان يتطلب منا أن نرعاه ونحصنه ونبقيه مثلاً ومثالاً، فالواجب يقضي على جميع القيادات، في أي موقع كانت، أن تعيد النظر في بعض مواقفها وتندفع – طوعاً لا قسراً – في إتجاه المصالحة الحقيقية التي تشكل، من دون غيرها، مظلة الأمان التي تنقذ لبناننا وتبقيه درة مصانة في جبين هذا الشرق الملتهب. وحدها الثقة تعيد القيادات إلى ممارسة دورها الوطني وتبقي المؤسسات الدستورية فاعلة ومتفاعلة مع نبضات قلوب اللبنانيين وتطلعاتهم ومع هيئات المجتمع المدني في مشهد متكامل من الشراكة الوطنية الحقيقية.

وقال:في لبنان بيئة محفزة على ممارسة الحريات، وفيه قانون جمعيات يعززها ويحمي نشاطاتها، وهذا حافز لكم لنعمل معاً لخير المجتمع وتحقيق الإستقرار، إنطلاقاً من توافر البيئة الحاضنة والمناخ المؤاتي للإرتقاء بالتطوع. لذلك أنتم، ونحن معكم، علينا التعاون  لتعزيز تضامنكم ومبادراتكم في وطن ما قصرتم عن خدمته ويحتاج إليكم الآن أكثر من أي وقت مضى. والسلام عليكم.

نقاش

بعد ذلك جرى نقاش بين الرئيس ميقاتي والحضور بشأن هواجس المؤسسات الإجتماعية ومطالبها والخطوات الواجب إعتمادها، لإطلاق الشراكة الحقيقية بين مؤسسات المجتمع المدني والدولة.

وقال الرئيس ميقاتي: من المهم جداً الإستماع إلى آراء ممثلي المجتمع المدني، وهم الأكثر إلتصاقاً بالناس ومعاناتهم وبالحالة الإجتماعية في البلد، وهناك تنوع كامل في التعاطي مع الناس، من اليتيم إلى المعاق والمحتاج، إلى الأمور المتعلقة بالبيئة والشباب، وبالتالي، أنا أرى أن الناس بحاجة إلى التعبير لكي توصل أفكارها.

ولفت إلى “وجود إقتراحين من أجل المتابعة والتواصل في هذا المجال، الأول يقضي بتوجيه رسائل بريدية إلى كل المجتمعين وإنشاء شبكة للتواصل مع الهيئات المدنية، لكي تصل كل الأفكار كاملة وأعدكم بمتابعة الموضوع شخصياً للإجابة عليها. أما الإقتراح الثاني فهو لتكريس المتابعة الحقيقية وبلورة صيغة لعرضها عليكم، وقد إرتأيت تكليف شخص مشهود بدوره الوطني وفاعليته في المجتمع هو الأستاذ محمد بركات لمتابعة هذا الموضوع وتشكيل لجنة صغيرة على أن يقدم تقريره الأول نهاية كانون الثاني”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى