المقالات

لغة برايل \
د. قصي الحسين

عميان السياسة في لبنان، إنما هم أحوج إلى عالم، بصفة العبقري الفرنسي لويس برايل. لا لشيء، إنما لمساعدتهم على القراءة السياسية المحلية. وعلى القراءة السياسية العربية. وعلى القراءة السياسية الدولية. لأنهم حقا عميان، لا يبصرون ماذا يجري بينهم. ولا يبصرون ماذا يجري حولهم. مكفوفون حقيقة، ألف معذرة من المكفوفين، لأنهم صاروا إلى العمى بلا إرادة منهم. أما أهل السياسة من اللبنانيين، فقد فقأوا أعينهم عمدا، حتى لا يروا، ماذا يجري بينهم. حتى لا يروا ماذا يجري حولهم. حتى لا يروا جنايتهم. حتى لا يروا ما أوقعوا بلبنان من مصائب، لأجل تحقيقهم بعض المكاسب.

هذا هو ديدنهم، منذ تأسيس الكيان. يفقؤون أعينهم ويضربون بالسياسة. هدفهم الأول والأخير: “السرقة”، لا أكثر ولا أقل. يسرقون مال الشعب. مال الدولة. مال الفقراء واليتامى والأيامى والمساكين دون أن يشعروا بأدنى وخزة من ضمير. يعلمون أبناءهم أبواب السرقات كلها. يشرعون حياتهم عليها. يقولون : إنهم من أسر سياسية، فيمدون أيديهم إلى المال العام، وكأنه مشاع لهم. وكأنه حلال عليهم، أن يسرقوا أموال الدولة، بعد أن يسلكوا سبل السياسة بالحيلة وبالإحتيال.

عور وعميان ومكفوفون، أهل السياسة عندنا. لا يهتمون لسرقة حجر من عمارة الدولة، ولو تسببوا لجدرانها بالسقوط. لا يهتمون لزورهم ولا لتزويرهم في سرقة أموال الشعب، فيتسببوا بإنهيار ميزانية الدولة. يتسببوا بجفاف مواردها. وبإنهيار عملتها. يتسببوا بتعطيل عمل وزاراتها، وإداراتها. فلا تستطيع أن تجد رصيدا لها، يكفي لشراء ماعون ورق. ومحبرة وقلم رصاص وقلم بيك. وتنكة مازوت، وقطعة غيار لألة خربت، لأنها لم تجد نفقة لصياناتها.

عميان أهل السياسة في لبنان، ولو كانوا مبصرين. ما عرفوا طريق الخلاص للوطن. كانت الغشاوة تعمي قلوبهم. كان يحتاجون للغة برايل، حتى يعرفوا أن الطريق التي نهجوها، كانت مليئة بالزلات. أن التجارة بالمبادئ وبالقيم، وبالتراب الوطني، طريق لإفلاس البلاد، ولو إستطاعوا، أن يكونوا من أغنى الأغنياء. ما عرفوا المحافظة على النسيج الوطني، ولا على النسيج الإجتماعي. أعمتهم بصيرتهم، عن رؤية إنهيار الوطن على أيديهم، ولو كانوا يربحون.

ضرب العماء بصيرتهم، ولو كانوا من المبصرين. فقادوا الحروب الأهلية. أقاموا الحواجز الطائفية. هدموا الجسور التي تجمع الناس. وساروا في دروب التهجير، فزعزعوا الكيان، وهو في مبتدا التأسيس. حتى عدوا من بين شياطين السياسة. من بين دهاقنتها التافهين الفاسدين، المفلسين.

عميان هؤلاء السياسيون، هم و أبناؤهم من بعدهم. هم وأحفادهم من بعدهم. إسمعهم، كيف يخاطبون اللبنانيين، مثل قطعان من المواشي. مثل قطيع من الأغنام. كيف يسوقونهم إلى الذبح، في معارك دونكشوتية، لا يقرها ضمير، ولا وجدان. ولا تراعي حقوق الناس. ولاحقوق الإنسان.

أهل السياسة، أحوج ما يكونون إلى معلم، بصفة لويس برايل. يعلمهم كما يعلم المكفوفين، ألفباء السياسة، لأنهم طبقة من العميان. طبقة من الجهال. فمن يبيع وطنه، لا خير فيه، ولو كان نائبا أو وزيرا، أو رئيسا. ولو كان موظفا من الفئة الأولى. أو موظفا من الفئة الخامسة. ولو كان من كبار التجار. أو من صغار التجار. من كبار الملاك أو من صغار الملاك. من كبار الكتاب، أو من أصحاب القلم النحيل.

السياسيون اللبنانيون، يفتقدون هذة الأيام، لغة العبقري الفرنسي، لويس برايل. لأن معظمهم من طبقة العميان. وأنا لا أتحدث ها هنا عن عمى الأبصار، بل أتحدث عن عمى البصيرة. ولذلك كان على برايل، أن يجتهد كثيرا، حتى يخترع لغة محسوسة ملموسة، للسياسيين اللبنانيين، الذين يقبض الشعب عليهم بالمحسوس الملموس، أنهم، يكذبون عليهم. وأنهم يسرقون خزانة بلادهم. وأنهم يبيعون ترابه قطعة قطعة. وأنهم يشتغلون عملاء بائسين، للأقربين وللأبعدين. وأنهم لا يوفرون خدعة، ولا حيلة ولا شطارة، ولاطريقة، يستطيعون أن يبتزوا بها شعبهم، إلا فعلوها. أن يبتزوا وطنهم إلا فعلوها. لأنهم في الأساس لا يعرفون ألفباء السياسة. ولا الفباء الوطن ولا الوطنية. فأين إذن لويس برايل ، يخترع لهم لغةسياسية، يفهمهم إياها، بالمحسوس الملموس، أنهم مجرد عميان في السياسة. فكل من يغش أو يخدع أو يسرق أو يتآمر على وطنه، إنما هو من طبقة من أصابهم العمى السياسي.

د. قصي الحسين
أستاذ في الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى