المقالات

نار المخيمات كتب: د. قصي الحسين

المخيمات جزء من ملحقات الفقراء. جزء من المأساة. بل هي المأساة بعينها. تأتي الدول العظمى، فتولع أثواب أهلها بالنيران، مثلما كان يفعل “صانع المطر ” بالثيران: يشعل النيران بأذيالها على كتف الوادي، يستمطر بها وقت الحاجة للمطر.فتهرب إلى وديان الموت، طلبا للنجاة.
ليس هناك من مخيم، إلا وله سجل من الأحزان. إلا ويخيم عليه الحزن. إلا وتخيم عليه المأساة.
ما جاء الناس إلى المخيمات، ليقيموا الأفراح والأعراس. ما جاء الناس يلهون الليالي الملاح بالباربكيو، كما يفعل سلاطين الزمان.
أحرق طغاة الأنظمة بيوتهم، وأغتصبوا ديارهم. وساروا وراءهم، فهربوا إلى المخيم، طلبا للأمان.
ما من مخيم في لبنان والعالم، ، إلا وراءه المآسي والحكايات. من مخيمات آسيا، إلى مخيمات إفريقيا، إلى مخيمات المنازعات على الحدود، في أوروبا وأميركا، وبلاد الإيغور، وبلاد فلسطين.
جيوش مأجورة، تعمل عند مأجورين، تذبح الناس، على الهوية. تذبح الناس على الدين. تطاردهم. وتدفع بهم لإخلاء مساكنهم. تدفع بهم إلى جحيم المخيمات. فكل مخيم جحيم. وكل مخيم جهنم. وكل مخيم، إسطورة لموت مقيم.
لا يختلف “مخيم بحنين” في المنية بلبنان، عن سائر الأوطان. بؤس ينسل بؤسا. ومأساة تلد مأساة، وموت يشتهي الموت، تماما كما في سائر المخيمات.
مخيمات النازحين، مثل مخيمات المهجرين، مثل مخيمات اللاجئين، “أوسمة” على صدور الأنظمة. أوسمة على صدور الطغاة. أوسمة على صدور الظلام. أوسمة على صدور الحكام. أوسمة على صدور الظالمين. أوسمة على صدور النظام العالمي. أوسمة على صدور النظام الإقليمي. أوسمة على صدور النظام العربي. أوسمة على صدر النظام في سوريا. أوسمة على صدر النظام في لبنان.
كيف يسمح “النظام” لنفسه، أن يخرج عن “أدب النظام”، وعن شرعة حقوق الإنسان، بإقامة مخيم في “الهشير” للنازحين بلا حماية: من حارق. ومن غارق ومن مراهق. ومن حريق. كيف يكون الأمن عماد البلاد، في بساتين الليمون و بين كروم الزيتون. هل يصدقه عاقل أو مجنون.
كيف يكون الأمن عشوائيا، إلى هذة الدرجة من الجنون.
من يأذن، بمخيم ملغوم، بالفقر والبؤس والموت، في العراء، تحت رحمة الزعار. بلا حماية ولا مخفر من سلطة أو دولة.
أنسأل عن مسؤولية النظام، في سوريا. أم عن مسؤولية النظام في لبنان. هل تسأل الأنظمة عن الفقراء في البلاد، قبل السؤال عن النازحين. هل تحمي الأنظمة، كل المخيمات من النيران. ومن طيش قنبلة.
تسيب نظامي، من نظام مأجور، يجر المآسي. يجر النار يجر الخراب. يجر الدمار.
نازحون فقراء هامشيون مأزومون، فروا من قدر النظام في سوريا، إلى قدر النظام في لبنان. فكان قدر بحنين في المنية. قدر “مخيم بحنين” للنازحين: بحيرة من دموع. و بحيرة من بكاء. وبحيرة من دماء.

د. قصي الحسين
أستاذ في الجامعة اللبنانية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى