المقالات

اللعب على أوتار شيطانية – بقلم: هيام ضمرة

ما يحدث على الساحة السورية من ثورة على الحكم جاء نتيجة عوامل كثيرة لسنا الآن بصدد بيانها أو تحليلها، فما أريد خوضه في هذه العجالة تلك الأصوات الغربية التي تناقض حقيقة الوقائع لابعاد توجيه أصابع اللوم عن المتسببين في تحويل مسار الثورات العربية لصالحها، وتوظيف جهة ثالثة تعمل على إشعال الوضع بين فريقي النظام السوري والثوار المنتفضين للحقوق على حد سواء فتقوم بأعمال قتل وتفجير في الجانبين وباسم الجانبين لاشعال الوضع بصورة خطيرة

خرج إلينا الكاتب الانجليزي روبرت فيسك بمقالة في صحيفة الاندبندت عازفاً فيها على أوتار الآلة الشيطانية، وما أدراك بأي خبث يدوس هذا الانجليزي على مفاتيح النشاز، وهو يقول بأن الأزمة في سوريا اتسمت بأكبر قدر من الأكاذيب والنفاق والأخلاقيات الوضيعة، متهماً قطر والسعودية بتزويد الارهابيين بالمال والسلاح لاشعال الوضع في سوريا، مبرئاً أمريكا براءة الذئب من دم يوسف… كلام يثير ضحك العارفين والمطلعين، وكأن قطر والسعودية تلعبان من نفسهما وتملكان قرارهما في ذلك، وليس هناك من يدفعهما لتلويث الناصية العربية بأيد عربية، وهذا دأب أمريكا وحليفتها إسرائيل ونهجهما في اللعب بخبث الذئاب التي تقطر أنيابها بدماء شعوب العالم التي تسببت بنكبتها مستخدمة أيد من جنسها، الوضاعة هنا ليس في دول عربية فاقدة قرارها تنصاع لأوامر أمريكية، بل في وسائل حقيرة تمارس دون رحمة وتسقط ضحايا بريئين لاضرام نيران القتال بين فريقين

ولأزيدكم ابتساماً لأسلوب غربي يستهين بعقولنا أنظروا ماذا يقول فيسك: أن الرئيس أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلنتون يزعمان أن همهما نشر الديمقراطية، غير أن الحليفة الأولى قطر تمثل حكماً سلطوياً فاضحاً، والحليفة الشريكة السعودية هي من أكثر الدول الملكية دكتاتورية وخبثاً في العالم تلعب في الأحداث السورية بخبث مكشوف وهي تدعم السلفيين والوهابيين هناك وهما حركتان دينيتان متشددتان تتهمان بالتطرف، تماما كما فعلت في أفغانستان ودعمت نظام طالبان المتهم بالتطرف أيضاً.. وهذا كلام خطير ليس له من هدف غير الانقلاب الأمريكي على حلفائها كعادتها، وليس كمثل الكاتب فيسك من يطلع على ما يجري في الغرف المغلقة، فحديثه هنا لم يأت من فراغ

ويقول أن أولئك الذين ضربوا برجي المبنى التجاري العالمي عام 2001 كانوا في أصلهم قادمين من السعودية، انظروا لكونهم قادمين وليس من أصول سعودية فقد تكشفت أصولهم ولم يعد الكذب بذلك مجدي، واصفاً السعودية بالدولة التي تقمع شعبها بقوة الحديد، فيما تدعي رغبتها بتقويض الحكم السوري لتحقيق الديمقراطية في سوريا.. أليس النطق بهذا الكلام بداية الانقلاب على قطر والسعودية، وربما هاتان الدولتان ستكونان كبش الفداء القادم

ورغم عروجه على مسألة التناقض بين مواقف الشعب الانجليزي الليبرالي المحتج على الدوام في شوارع لندن على الجرائم الاسرائيلية بحق الفلسطينيين والليبنانيين وموقف الحكومة البريطانية الداعم لاسرائيل والصامت عن ممارساتها الاجرامية بحقهم، فإن فيسك في مقالته يقدم تبريراً سخيفاً لا يتماشى مع فكر محلل كبير، خاصة حين ربط رغبة أمريكا والدول الغربية تقويض الحكم في سورية ليس من باب الانتصار للشعب السوري أو كراهة لحكم بشار أو دفاعاً عن حقوق الانسان المهدورة الذي تتشدق به للتغطية أوعناداً وتحدياً لروسيا التي عادت للبروز من جديد كقوة منافسة، بل لسعيها التخلص من ايران ومن برنامجها النووي الذي يشكل تهديداً لاسرائيل وللمنطقة، وسوريا تشكل ذراع دعم لايران وبالتالي يجب تغيير الوضع فيها وإحداث التغيير في تركيبتها الديموغرافية لتصبح دون مستوى القوة الكافية لدعم ايران وبالتالي تنفرد أمريكا بإيران أخيراً

ما أريد قوله هنا أن أمريكا لا تفتأ تبتكر وسائلها الجهنمية في تقريب هذا وإبعاد ذاك، ثم الانقلاب على من كان ينعم بأحضانها دون أن يرمش لها جفن، هي نفسية شيطانية تناسب حكومة لا تتهاون في تحطيم دول وإخفاء حضارات وسرقة مقدرات والاستيلاء على تاريخ ومسح هوية وقتل مئات الالاف من البشر، فقط لتحقق أهدافها وتبديل برامجها وخططها بما يتواءم ومصالحها أولاً وأخيراً، فقد حاولت أن تنقل للدول العربية المحيطة بفلسطين المحتلة مبدأ الأولويات دون وجه حق حين راحت كل دولة ترفع شعار مصالحها أولاً كعلامة تؤكد تسحبها من واجباتها تجاه القضية الفلسطينية وتحريرفلسطين، وايقاف كل مشاريع النضال بهدف استرجاع فلسطين، بل واخفاء مصطلح الجهاد من الوجود

كثيرون هم أولئك المتسائلون لماذا تضع أمريكا كامل قدراتها العسكرية والمالية واللوجستية وبرامجها ومخططاتها بتكالب واضح لتثبيت وجود اسرائيل في المنطقة الشرق أوسطية، وفرض قبولها كدولة جارة في المنطقة رغم احتلالها لوطن وتشتيتها شعبه وارتكابها المجازر الوحشية لترهيبه، والتطبيع معها اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً و ثقافياً وفكرياً، وربط المصالح الأساسية ببعضها ليصبح أمر رفضها فيما بعد غير ممكناً، وضمان إضعاف الدول المحيطة من خلال تقسيمها إلى دويلات على مبدأ عنصري واضح، من خلال تشكيل مجتمعات أيدولوجية وطائفية وإثنية، ولماذا توقف مشروع الأمم المتحدة بإعادة الاراضي المحتلة في العام 67 من فلسطين من خلال خلق ظروف على أرض الواقع لايجاد اشكالية تقف عندها المحادثات وتتبخر كل القرارات الأممية التي صدرت لصالح الفلسطينيين.. اللعبة شيطانية بامتياز أبعادها عميقة وخلفياتها  قاتمة تمارسها أمريكا وتثني عليها جوقة الغرب المنحاز بانحيازها، فيما العرب على ما هم عليه متجمدون في أماكنهم على مبدأ الانتظار المهيض، لا يخرجون شيطنتهم إلا باتجاه العرب من جنسهم.. وأسفاه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى