ثقافة

الشاعرة وفاء الأيوبي والهويّة العربيّة في القصيدة النثرية

قراءتي هذه ليست نقداً فلست ناقداً بل هي رُؤيا خاصة ورأي شخصي من خلال الإبحار في شخصية الشاعرة  وكتاباتها .
بدايةً بغضّ النّظر عن اختلاف النّقاد في تسمية القصيدة النثريّة ،إذ أنه هناك من يرفض إطلاق مسمّى القصيدة النثرية، ويعتبرها نصوصا نثريّة أو نثيره إلّا أنني أعتبرها قصيدة نثرية . فهناك الكثيرون ممن يكتبون القصيدة النثريّة باحترافيّة عالية وخاصة أنَ القصيدة النثرية اصبحت سائدة والكثيرون اتجهوا إلى كتابتها كونها تحتمل فتح الآفاق أمامها. وقد وجد الآن من بدأ يفكر ويقتنع بالتناغمية بوجودها في النص النثري  وأصبح المطلب الأول توظيف اللغة توظيفاً جيداً ووجود رمزية عقلانية وانزياح لغوي معقول بعيداً عن الطلاسم والغموض الكثيف الغير المحبّب ، وابتداع التشبيهات من خلال خلْق صور شعريّة مع عدم فقدان الحسّ الشّعري حتى لا يرْهِق القارئ ، فنحن نكتب للعامّة وليس لفئة محدّدة أو فقط للشّعراء والأدباء ..
الشاعرة وفاء الأيوبي من خلال كتاباتها
إن رؤيتي هذه تنسحب على كتابات الشاعرة عامة وليس على ورد فقط في ديوان رحيق الأعاصير . فنحن نجد أن الشاعرة تمتاز بشاعريّة عالية المستوى ورصانة وبلاغة وتعمل دائما على توظيف اللغة توظيفاً جيداً كما أسْلَفْت، وخلْق صُوَر شعرية بعيدة عن التّعقيد تشدّ القارئ للمتابعة في قراءته، مما يولد عنده الدّهشة والوَهَج من خلال صُوَرها الشعريّة ، وبهذا تُعطي قصيدتها النثريّة الهويّة العربيّة والتي نسعى إليها.
وهذا رأي شخصي ولكنِي  شخصيّاً أحب هذا الاتجاه وأسعى إليه أيضا لإثبات وجود الهويّة العربيّة للقصيدة النثريّة .
والشاعرة تكتب بأسلوب تشع فيه الحداثة في الوقت الذي يرفض الكثيرون من النقاد الحداثة متمسّكين بالقديم ويقولون أنه علينا ألا نخرج عن القاعدة الشعريّة السابقة وهي الوزن والقافية أي على مدرسة عمود الشعر ،لأنها هي الشِّعر الحقيقي وهنا تكْمُن نقاط الخلاف ..
وقراءتي للشاعرة وفاء الايوبي كما التالي:
وجدتُّها المرأة التي تحلُم بالسّلام مع النّفس والبشريّة وتفوّقَت إنسانيتها على الذّات فهي تحمل الحب العذري البريء والمحمود ، وهي الطّفلة بدواخلها كما أنها المرأة الأنثى الرقيقة والشفافة وصاحبة الإحساس المُرْهف وفي نفس الوقت المرأة الصّارمة التي تحمل البُعد الوطني والإنتماء الحقيقي لهويتها الوطنية العربية بعيدة عن الإقليميّة وهنا تكمن الإنسانيّة بمعناها الحقيقي .
والشاهد على ذلك عدة قصائد لها موجودة في  ديوان “رحيق الأعاصير” .
فالوعي الإبداعي الإنساني موجود ها هنا لدى الشاعرة  كما محاكاة النفس ، مع توطيد العلاقة مع سياقها الحياتي  والتاريخي في ديوان رحيق الأعاصير وهنا حالة شعريّة مفتوحة ، فيها الخصوصيّة والعامّة.
وقد لفتتني البراعة في الابتكارات اللغويّة  المدهشة والرصانة المصاحبة للوعي المتنامي عند الشاعرة كما نلاحظ مساحة كبيرة وتحليقا في فضاءات شعريّة عَمِلَت عليها في الإبحار في النفس والتصوّف والهمّ المجتمعي وكتبت في معاناة المرأة العربية  والواقع الوطني العربي التي تنتمي إليه ، كلّ ذلك يندرج في نصوصها ويرتسم.
ومن هنا وعلى هذا الأساس نجد عالما رَحِبا عند الغَوْص في النّفس  الإنسانية .فالحداثة الشعريّة من أهم مرتكزاتها النفس والوجدان وهما الأقرب للشاعر في التجربة الشعرية الموثوق فيها والأصدق في التعبير عن المكنون من إرهاصات فكريّة كثيرة من معاناة وأفراح وأحلام واغتراب فهناك انتصارات وانكسارات و قوّة وضعف .
وهذه الإرهاصات تتحول للإبحار وتَمَدُّد الرؤيا البصرّية والصوتيّة إلى صور شعريّة تُشَكِّل من الحبيب  والوطن الرّمز داخل الذّات والصّوت الباطني للشاعرة  ونصوص الشاعرة وفاء ترتكز على خلق الرّمز والصورة في داخل النص ( رحيق الأعاصير )..
وهذه بعض المقاطع الدّالة من قصائدها ، وأولها من قصيدة الصخرة الصمّاء وهي أحبُّ النّصوص إلى قلبي ..
************
الصّخرةُ الصَّمَّاء
وَأْبحِرُ في سَمَاءِ عَيْنَيْك ،
أَغوصُ وَأَغوصُ
على الدُّرّ
في ياقوتِكَ اللاّهِب
وَتُجَدِّفُ عيوني في حنايا ِ ثَغْرِك ،
تَتَسَكَّعُ هناك ،
تَسْتَنْهِض حُروفًا مِنْ نُور
تَتَعَتَّقُ اْلأَريجَ مِنْ سنين
وأرفعُ المَجَاذيفَ
أَيَكْتَسِحُ مَدُّك شُطْآني ؟!
وَبَين وَهْمِ الانتظارِ وَأَنِينِ الثَّواني
بَراثِنُ مَزَّقَتْ أَشْرِعَتي
نَدَبَتْها سَفينتي
فيَّ تكسَّر الأملُ
صامِتًا، صائِتًا، صارِخًا
في الدّهور الخَوالي
وَأَنْتَ مُسَمَّرٌ هناك ،
تتقاذفُكَ الأماني
وتغفلُ عنْكَ الحياة .

حلم في الأفق
لَمْلَمْتُ جِراحي وأنا أنزِفُ حُلُمي
كانَتِ الحمائمُ تعشِّشُ في الظلام
وَرَسَوْتُ هناك مع الفجر.
كانَتِ الغُمُدُ تهوي
كانَتِ العُمُدُ تهوي
صرحاً ، فصرحاً
فَغَرَتِ المأساةُ فاها
صَرَخَتْ :
هل تتمطى الثَّوَاني الخَرْسا ؟؟!!
يا مجامِرَ الشَّرر اقدحي !
اصدَحي يا أغاريدَ الصَّباح !!
كيف تتشرَّدُ النَّوارسُ
أو تلتقمُ الأمَلَ الغربَةُ ؟؟!!
تعمَّدي بالدَّم !
لا تبكي ، يا حبيبة !
لو صدَّعَ بارودُهُم النَّايات
أو انتثرَتْ دنانيرُ الحقيقة
في الأفقِ ، يقبَعُ العُتاة
في الأفق ، صَهِيلُ الأُباة
يَمْتَشِقُ خُيُوطَ الشَّفَق!!
—————

أرض الأشلاء

يا أرضَ الأشلاءِ ، انتفضي
يا أرضَ الأشلاءِ !

قومي ، هُبِّي ، زَلْزِلي
مداميكَ الظُّلاَّم !!

باركي الشُّهَداء !
باركي الرُّكام !
اروي للكبارِ حكايةَ التُّجَّار

يا أرضَ الأشلاءِ ،تمطَّيْ !
يا أرضَ الأشلاء !
أَمْعِني في الأنقاض ،
مِزَقِ الأطفال !
……..
الأصابعُ تَتَشَهَّد
تسبيحُها يترجَّع
يرصُدُ للكبارِ عناوينَ الفُجَّار !!

يا أرضَ الأشلاءِ ، لا تبتئسي!

قومي ، في قيامَتِكِ الغار !
لا تقفي ، تحرَّكي ، كوني الإعصار !

يا أرضَ الأشلاءِ ، أنعِشِي الذَّاكِرَة !

قد فجَّروكِ وأقاموا الوليمة
أرغفَتُهُم تعبُقُ بالجُثَث
كؤوسُهُم تنضَحُ بالدِّمَاء

كوني السَّاقيةَ ، النادلةَ والطَّاهِيَة !
اعجِني من عارِهِم !
اخبزي في أتُّونِهِم !
اروي عطَشَهُمْ بعلقَمِ الكَرَامَة !!

يا أرضَ الأشلاءِ ، تكلَّمي !
انطُقِي بالحقِّ ! اشهَدِي !

صوِّري للعالمِ وحشيةَ الهَمَجِيَّة !
اروي عن الصهيونية
رموزَ الهويَّة
دناءة ، غَطْرَسَة ،عَنْجَهِيَّة !!
يا أرضَ الأشلاءِ ، تكلَّمي !
تمرَّدْ يا صَوَّان !!
جَهْجِهْ يا نور  !!

اختياري لهذه المقاطع جاءَ لتبيان ما أسلفت عند ذكرالإرهاصات الفكريّة التي أحاطت بالشاعرة فمنها الغزليّ وانتماءات الشاعرة الوطنيّة وتحميلها رسالة أدبية ، هدفها توجيه المجتمع بكل تناقضاته عند تصويرها الحياة بأدق تفاصيلها .
من خلال ما تقدّم نجد أن الشاعرة عبارة عن خليط متكامل من الوجع والفرح والحلم بالأفضل ، تحمل هموم الوطن والانسان والمرأة فهي تتحدث عنّا جميعاً كبشر.
كلُّ ما سبق   يسكن  في نفس الشاعرة وفاء الأيّوبي الإنسانة
متمنياً لها مزيداً من الابداع والتألق .     محمد خالد النبالي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى