الأخبار اللبنانية

كلمة النائب روبير فاضل خلال الجلسة التشريعية في مجلس النواب

بدايةً، أودّ أن أثني على دعوتكم لهيئة عامة، في وقت يبدو فيه أنّ معظم مؤسسات الدولة قد أصبحت شبه مشلولة بينما البلد والمنطقة يمرّان بأصعب وأدق الظروف منذ عقود.
ولأن لبنان أصبح في عين العاصفة، في ظلّ غياب التوافق وحتى التواصل بين أطرافه السياسية، من أضعف الايمان ان يكون هناك، ولو نائب واحد، يطلق هذه الصرخة، على أمل أن يكون لها صدى عند بعض القيادات.
فاعذروني اذا خرج كلامي عن المألوف.

أوّل مصدر للقلق هو الوضع المعيشي والاجتماعي والاقتصادي:
نحن ندرك تماماً أنّ التراجع الاقتصادي الذي نشهده منذ بداية العام الماضي قد بدأ يؤثّر سلباً على الوضع المعيشي والبطالة وعلى وضع الشركات الصغيرة والمتوسطة خاصة في مناطق الاطراف.
اهتمام الحكومة بالملف المعيشي كان في محلّه: زيادة الأجور وبداية تصحيح الوضع المأساوي في القطاع العام كان ضروريّاً.

لكن أخشى أن تكون المقاربة خاطئة او ناقصة لعدة أسباب هي التالية:

•    أولاً، لقد سبق لي ان أعلنت أنّ عملية تصحيح الأجور قد رافقتها حملة تحريض واضحة بين العمّال وارباب العمل، وكأنّنا نحن بحاجة لصراع طبقي، يضاف الى الصراع الطائفي والمذهبي والسياسي.

•    ثانياً، انّ تصحيح سلسلة الرتب والرواتب واعطاء درجات لبعض الفئات في القطاع العام دون سواهم، قد زاد من احباط جزء كبير من الادارات بسبب عدم المساواة.

•    ثالثاً، انّ هذه الزيادات للقطاع العام والخاص قد طُرحت دون توضيح مصادر وامكانيّة تمويلها في ظلّ تراجع واردات الدولة والشركات، وفي ظلّ مناخ دولي يفرض تصحيح المالية العامة لدول أكبر وأكثر تقدماً من لبنان، وبالتالي نحن بذلك نسير عكس التيّار.

أمّا مصدر القلق الثاني دولة الرئيس فهو الوضع الأمني، الذي لا يزال ممسوكاً بشكل عام، بفضل قرار أجمعت عليه كلّ القيادات وهو عدم المسّ بالسلم الاهلي، ولكن وقعت حوادث طرابلس مؤخّراً لتذكّرنا بارتباطنا العضوي بالمحاور الاقليمية وبهشاشة الوضع وضرورة بسط سلطة الدولة المطالبة اليوم بنزع السلاح من العاصمة الثانية على أمل نزعه من كل المناطق.

ومصدر القلق الثالث، والأخير، هو الوضع الحكومي:
من بعد شلل حكومة الوحدة الوطنية بسبب تناقضاتها الداخلية، كان من المتوقّع أن تكون الحكومة الحالية على الأقل منتجة وفعّالة وأن تفتتح ورشة الاصلاح والنهوض بالوطن.
وصراحةً فوجئنا، فوجئنا بفصول الأجور، والتعيينات، وتمويل المحكمة، ومواقفنا المزدوجة في المحافل الدولية، وغيرها من الصراعات ضمن حكومة الخيار الاستراتيجي الواحد، حتى أصبحنا نتساءل عن ماهية الحلّ: فحكومة الوحدة الوطنية كانت مشلولة وحكومة الأكثرية هي اليوم معطّلة أيضاً.
ما هو المطلوب اذاً؟ حكومة الحزب الواحد؟ او لكلّ حزب حكومة؟ او لكلّ زعيم وطائفة دستور على قياسها؟

الحقيقة أنّ المشكلة ليست بشكل الحكومة، لأنّنا جرّبنا كلّ أشكالها، بل انّ المشكلة تكمُن بربط حكوماتنا بالوضع الاقليمي ونحن كلّنا مدركون لواقع انّ الحكومة قد فقدت توازناتها الداخلية بسبب التغيير الحاصل في الظروف الاقليمية.

الحقيقة ان المشكلة ليست في الدستور، ولو كان يحوي ثغرات عديدة يجب سدّها، المشكلة في قيادات البلد التي تريد دستوراً يعكس التوازنات الداخلية وتريد، وفي آنٍ واحد، الاستعانة بكل الدول القريبة والبعيدة واستدراجها لتغيير المعادلة الداخلية.
الّا أنّه ليس هناك من دستور في العالم يستطيع أن يرعى ظروفاً مماثلة وسنظلّ ننتقل من غالب الى مغلوب ومن أزمة نظام الى أزمة نظام أخرى.
الدستور أيّها الإخوة ليس جردة حساب سنوية لحجم القوى السياسية.

الحقيقة دولة الرئيس ان لبنان بحاجة، وقبل اي حكومة جديدة وميثاق وطني جديد ودستور جديد، الى عدد أكبر من رجال الدولة وعدد أقلّ من زعماء القبائل. انّه بحاجة لرجال ينتجون أكثر ويتكلّمون أقل. لرجال يتوجّهون الى عقل اللبنانيين وليس الى غرائزهم.
الحقيقة دولة الرئيس أننا نحتاج تغييراً في النفوس قبل النصوص حتى لا نهدر وقتنا في تغيير النصوص.

الحقيقة دولة الرئيس، وانت الأدرى، انّ نظامنا ومؤسساتنا وبلدنا قد أصبحت ضحية ثقافة المحاور والمحاصصة والتناحر. نعم أصبحت ضحية ثقافة المحاور والمحاصصة والتناحر. وللأسف انّ كل القيادات ضالعة في ألعاب الدول، ولو بنسب متفاوتة.

نحن اليوم بحاجة لتغيير ثقافتنا السياسية،
ونحن بحاجة لحوار شفاف وشامل حول كلّ القضايا الخلافية بدءاً بالأكثر حساسية، لتحصين لبنان من العاصفة الاقليمية،
ونحن بحاجة للتواصل عوض انتظار كيف ستتغيّر موازين القوى في المنطقة او متى يتدخّل اي مرجع اقليمي او دولي لحلّ خلافاتنا.

والأكثرية، وهذه كلمة الختام، الأكثرية مدعوّة لأخذ المبادرة. نعم على الأكثرية مسؤولية تاريخيّة. لماذا؟ لأنّها وبكل بساطة هي الأقوى على الأرض ولأنّها مُمسكة بمفاصل السلطة الأساسية، وبالتالي عليها هي استيعاب المعارضة وليس العكس. عليها هي استيعاب المعارضة وطمأنتها ومعالجة هواجسها وعدم زجّ لبنان في خلافات يدفع فيها الثمن عن غيره.

أيّها الاخوة، لبنان أمام فرصة تاريخية حتّى لا يعود أرضاً لصراع الآخرين لأنّ الصراع انتقل الى أرض الآخرين.
ولبنان أمام فرصة تاريخية للخروج من كلّ أنواع الوصاية الاقليميّة او الدوليّة، لأنّ أصحاب الوصاية منشغلون بمشاكل أكبر. فرجاءً، لنستغلّ هذه الفرصة بدلاً من زجّ لبنان في خلافات هي أكبر من حجمه وأكبر من طاقته ليتحمّلها.
أدرك أنّ كلامي قد يكون مزعجاً، ولذلك بدأت كلمتي بالاعتذار مسبقاً، ولكنّني أصرّ وأتمنّى أن لا أكون النائب الوحيد الذي يطلق هذه الصرخة، وشكراً».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى