المقالات

قهر الرجال… منحة ربانية!!

بقلم: الدكتورة أسماء عبد الحكيم راتب مدرس الأدب والنقد
بكلية البنات الإسلامية بأسيوط

في الرابع والعشرين من أبريل لعام واحد وعشرين وألفين من الميلاد، انتقل الطيار الأشهر في تاريخ مصر “أشرف أبو اليسر” إلى جوار ربه، وذلك بعد احتجازه في الرعاية المركزة لفترة تجاوزت الشهر؛ إذ تدهورت حالته الصحية؛ إثر أزمة قلبية تعرض لها؛ بسبب نزاع قانوني نشب بينه وبين أحد المشاهير؛ جراء قيام الأخير بنشر صورة له من داخل غرفة القيادة في الطائرة التي يقودها الأول، وذلك كنوع من الدعاية والتسويق لأغنيته الجديدة، وفي أكتوبر من العام الماضي انتشرت تلك الصورة على مواقع التواصل الاجتماعي كانتشار النار في الهشيم؛ وذلك بفضل مرضى التثور اللاإرادي وعبيد الشهرة الذين تسببوا في تحويل القضية إلى قضية رأي عام، ومعلوم بالضرورة أن القضايا التي تأخذ هذا المنحى توقع فيها أقصى العقوبات إن لم يكن ماديا فمعنويا ونفسيا، من هنا قررت هيئة الطيران المدني توقيع عقوبة شديدة على الطيار بسحب رخصته مدى الحياة؛ لانتهاكه معايير السلامة أثناء الطيران، كان هذا الحكم ضربة قاضية ألقت بالطيار وأسرته في غياهب الاكتئاب ودياجير الحزن.
وكنتيجة طبيعية لكل هذا الألم النفسي والضغط الإعلامي وشعور بالظلم والهوان؛ قرر الطيار “أشرف أبو اليسر” اللجوء إلى ساحة المحكمة؛ لعلها ترد إليه بعضا من مهجته المسلوبة، ولعل في حكمها تعويضا نفسيا يرأب صدع روحه، بَيد أن الحكم ببضع ملايين من الجنيهات لم يكن كافيا لردع الطرف الآخر؛ حيث وجه من خلال وسائل التواصل الاجتماعي رسالة مرئية سافرة صارخة استقطر بها ماء وجه الطيار إلى القطرة الأخيرة، مؤداها أن لا سلطان للحق على القوة، ولا غلبة للعلم على الجهل، ولا وزن لحكم بفتات النقود عند صاحب جاه..!
قهر ألمّ بهذا الطيار المكلوم حتى همّ أن يسيل على جوانب روحه سيلا، فكدنا نسمع- على بعده- دبيب الوجع في قلبه، وخرير الألم بين طيات روحه تلك التي سأمت الوجود في هذا العالم المظلم المأساوي، فتركته بما فيه من تشاحن وبغضاء؛ لتستقر إلى جوار ربها، وعليه فقد هاجت الدنيا وماجت عند ذيوع خبر وفاته: بين مترحم عليه وساخط على هذا الممثل، وأرجأنا جميعا زهوق روحه إلى القهر الذي نالها من تلك الحادثة دون أن يدور بخلد أحدنا أن ذلك قدر الله ولا راد لقضائه، دون أن نتمهل في الحكم على الممثل بأنه سبب مباشر في تلك الفاجعة وأن موت الطيار محقق ومصير محتوم ومكتوب في الأزل من قبل أن يُخلق هذا الطيار وذلك الممثل، وقبل أن يكون هناك مخترَع اسمه طائرة أصلا، ودون أن نستوعب أن موته واقع لا محالة سواء حدثت تلك الواقعة أم لم تحدث!
ولّينا وجوهنا شطر الجانب المفجع في تلك الحادثة، تركزت حواسنا كلها على خطأ الطيار وخيانة الممثل وجبروته وقسوة العقوبة الواقعة على الطيار ثم مرضه فموته، بنينا من تلك الواقعة المؤلمة حصنا من الفزع والجزع أسواره تشاؤم وأرضه حزن وفُرُشه سخط وغضب، وجلسنا ننعي حظنا على مجتمع يضيع فيه حق الضعفاء من أبنائه على أيدي الأقوياء منهم، لم يلحظ أحدنا خيط النور وسط كل هذه الضبابية والظلمة، لم نفكر في رحمة الله التي وسعت كل شيء، أين نحن من قوله تعالى: ” …وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير…”؟، وأين قلوبنا من قوله تعالى:” …وكان بالمؤمنين رحيما”؟، وكيف نحزن على مصير الطيار ونحن نقرأ قوله تعالى:” …فإنك بأعيننا…”؟!
كيف سبب الله الأسباب، وسخر الكون بمن فيه؛ ليذيع صيت ذلك الطيار قبيل وفاته، فتناله دعوات طيبات من أقصى الأرض إلى أقصاها ! أي عناية تلك التي تؤؤيه؟ وأي رعاية تحتويه؟ وأي قوة تسانده لتحمل اسمه فتطبعه بين طيات القلوب قبل ثنايا العقول، فيستمر بذلك ذكره – مصحوبا برحمات الله عليه تترا – إلى أن يشاء الله!
لا أريد من وراء ذلك أن ألوي عنق الحقيقة -إن كانت- ولا ينبغي لي، ولا أقصد أن أنتصف لهذا الممثل من المجتمع بأن ألتمس له العذر – وإن زلت به قدم – لكن أردت أن أعرض القصة من منطلق حسن الظن بالله، وأن أراها بعين غير التي رآها بها الناس، قررت أن أنتزع نظارة التشاؤم والحزن من فوق أنوفنا ورغمها؛ حتى يمكننا أن نستخرج لب الجمال وجوهره من حكمة الله السائرة في خلقه؛ حتى نقع على المعاني التي تملأ النفوس رضا وسكينة؛ فإن الخير قد يكمن في الشر، وإن الله جميل وكل ما يأتي من الجميل جميل، وإن أجمل الجمال أن تطمئن إلى جنب الله، وتستشعر عنايته بك وإحاطته بحياتك ورعايته لك في الأفراح والأتراح.
ثقوا بربكم وتدابيره، وأحسنوا الظن في تقديره، ودعوا شمس حياتكم تشرق كل يوم مسبحة بنعم الله الودود الرحيم…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى