الأخبار اللبنانية

رئيس حركة الاستقلال دعا قيادة 14 آذار للمبادرة وعدم الاكتفاء بانتظار التطورات!

ميشال معوّض لـ “النهار”: فليؤكد المسيحيون خياراتهم  
انطلاقاً من ثوابتهم وليس من مخاوفهم! انتقد رئيس “حركة الاستقلال” ميشال معوّض “تواطؤ وصمت الحكومة اللبنانية عن التوغل العسكري السوري في بلدة عرسال البقاعية”، واعتبر ان “تصرفها غير مقبول  بتاتاً، وان من واجباتها، بالحد الادنى، استدعاء السفير السوري لمساءلته حول هذا الامر واخذ الاجراءات اللازمة لمنع تكراره”. ورأى معوّض ان “امتناع مجلس الامن عن اصدار قرار فرض العقوبات على سوريا، والفيتوهات التي تمارس وتخاذل المجتمع الدولي ازاء ما يحصل لن ينقذ النظام ،و له نتيجة واحدة هي المزيد من الدماء والمزيد من الظلم بحق الشعب السوري”، ولفت الى انه “لا يجوز، في الوقت الذي يعيش فيه العالم العربي ربيعه، ان يعيش لبنان خريفه، وان نسمح لمنطق السلاح والمحاور ان يجهض مسار  ثورة الارز”، مطالباً قيادة 14 آذار بـ “الا تكتفي هذه القيادة بانتظار التطورات في العالم العربي، وان تبادر الى اعادة احياء وتفعيل ثورة الارز”.
وحول القانون الانتخابي الجديد قال معوّض، في حديث الى “النهار” من دارته في منطقة الحازمية – شرق بيروت، ان “اي قانون جديد يجب أولا ان يثبت المناصفة الفعلية بين المسيحيين والمسلمين التي تم التوافق عليها في اتفاق الطائف وان يشجّع ثانيا  التعددية ضمن الطوائف”، واشار الى ان “السماح لكل مذهب بانتخاب ممثليه على اساس النسبية،لا يؤجج الوضع الطائفي بل على العكس ينقل الصراع القائم في لبنان من صراع بين المذاهب والطوائف الى صراع على الخيارات السياسية داخل هذه المذاهب والطوائف، ويشكل خطوة اولى باتجاه تطوير النظام السياسي”.
وعن مواقف البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي قال معوّض ان “بعض الغموض في حركة البطريرك بعد عودته من باريس، والنفي غير المرفق باعلان رؤية واضحة ، سمح للفريق الآخر ان يدخل في لعبة الاستغلال مما يسبب ضررا كبيرا يعيق الدور التوحيدي الذي يجهد البطريرك لانتهاجه “، ولفت الى ان “المسيحيين، وعلى رأسهم بكركي مطالبون بتأكيد خيارهم  للمرحلة المقبلة انطلاقاً من ثوابتهم وليس من مخاوفهم، متمنياً ان “يكون اللقاء الذي يتحضر في سيدة الجبل مدماكاً على طريق اعادة تأكيد الثوابت التاريخية للمسيحيين وللكنيسة المارونية في ظل الربيع العربي”.
تفاصيل الحديث مع معوّض في الحوار الأتي نصه:
– نبدأ    من احداث عرسال وتوغل الجيش السوري فيها. ما رأيك بهذا التطور الامني والسياسي الذي يحمل دلالات عدة على مستوى العلاقة بين سوريا والدولة اللبنانية؟
* هذا التطور خطير جداً، وهو يؤكد من جديد استمرار النظام السوري بنظرته  للبنان على انه ليس وطنا سيدا حرا مستقلا، بل مجرد ملحق او مقاطعة سورية، باستطاعة هذا النظام ان يتصرّف فيها على هواه. وهذا التصرف السوري شهدناه بالتوغل العسكري بالامس، لكننا ما زلنا نشهده مراراً من خلال التدخل السوري في الشؤون الداخلية اللبنانية، من تشكيل حكومات واستقبال زعماء ومسؤولين سياسيين. والامر الاخطر من النظرة السورية هو صمت وتواطؤ الحكومة اللبنانية، التي يبدو انها تعتبر السيادة نسبية. فعندما يتعلق الامر بالنظام السوري وبحزب الله وسلاحه وتصرفاته في الداخل، تصبح مسألة سيادة الدولة  نسبية لدى هذه الحكومة. لذلك نحن نعتبر ان عملية توغل الجيش السوري في عرسال تؤكد من جديد ان هذه الحكومة ليست حكومة الدولة اللبنانية، بل هي حكومة النظام السوري ودويلة حزب الله في لبنان. وفي النهاية نشدد على ان تصرف الحكومة مع احداث عرسال تصرف غير مقبول  بتاتاً، ومن واجباتها، بالحد الادنى، استدعاء السفير السوري لمساءلته حول هذا الامر واخذ الاجراءات اللازمة لمنع تكراره .
– ما هي قراءتك للاحداث التي تحصل في سوريا اليوم. هل تؤمنون بجدوى الثورة ام ان النظام السوري ما زال يحتفظ بمقومات صموده؟
* عندما يضطر نظام معين لان يقصف شعبه بالدبابات والطيران  وان يرسل “الشبيحة” لارهاب الناس وقتلهم ، من اجل البقاء  او كسب الوقت، فهذا يعني انه فقد شرعيته بل انه انتهى مع وقف التنفيذ . وعندما يصبح اي شعب مستعد للاستشهاد من اجل الحرية فلا بد ان يستجيب القدر ،  واني اعتقد ان  سقوط هذا النظام مسألة وقت لا أكثر وان كل لحظة يستمر فيها هذا النظام لها نتيجة واحدة، الا وهي المزيد من الدماء والقمع والظلم.  هذا النظام السوري قد يصمد في وجه ضغوطات العالم اجمع، الا انه حتماً لن يصمد امام ارادة شعبه.
– كيف ترى مستقبل المعارضة السورية اذاً، بعد انشاء المجلس الوطني؟ وما هي المسؤوليات الملقاة على عاتق هذا المجلس؟
* خطوة انشاء مجلس وطني خطوة اساسية وفي غاية الاهمية، بعد ان كانت الثورة السورية  في المرحلة الاولى ينقصها تمثيلا سياسيا واضحا وموحدا ، مما كان يعيق قدرتها على تقديم بديل مقنع وعلى التفاعل مع المجتمع الدولي وعلى تبديد مخاوف البعض من الوقوع في الفوضى . اما مسؤولية هذا المجلس ، فهي بالدرجة الاولى توضيح نظرته الكاملة واستراتيجيته الواضحة حول اي سوريا يريد، من خلال التأكيد على خيار الدولة المدنية الديمقراطية ،  والتأكيد على التزامه باحترام الحريات .
– برأيك، الا يكفي تبني المعارضة لخيار بناء دولة مدنية، كضمانة للخائفين على حقوق الاقليات هناك؟
*تبني المعارضة لهذا الخيار هو لا شك خطوة اساسية بالاتجاه الصحيح . مع العلم ان المخاوف لا تقتصر على الاقليات فقط بل على الجميع. فلم ينتفض الشعب السوري لاستبدال النظام الديكتاتوري القائم حاليا بنظام ديكتاتوري آخر أو بنظام اسلامي متطرف . بل ان الشعب السوري يثور من اجل الحرية والتعددية والديمقراطية والنمو الاقتصادي. ومن هذا المنطلق نقول ان اي نظام ديكتاتوري ينتهك حقوق الانسان، سواء انتمى هذا الانسان  للاكثرية او الاقليات ولا بد من التذكير على سبيل المثال ان 60 بالمئة من أبناء الطائفة العلوية في سوريا يعيشون اليوم تحت خط الفقر. وان النظام الحالي في سوريا يلعب على وتيرة الاقليات مؤخراً، كما لعب على وتيرة الاصوليات في لبنان وفلسطين والعراق، وكما لعب على ورقة القومية العربية ومقاومة اسرائيل . كل هذه الشعارات عناوين يستخدمها النظام للحفاظ على نفسه على حساب الجميع اي على حساب الاقليات والاكثرية.  لذلك المطلوب من المجلس الوطني اليوم ، بعد ان اكد التزامه بقيام دولة مدنية، هو الانتقال من الالتزام بالمبدأ الى توضيح المشروع.
– فشل مجلس الامن الدولي مؤخراً باقرار قانون لفرض العقوبات على سوريا بسبب الفيتو الروسي والصيني. ما رأيك بهذا القرار؟
* قرار الفيتو هذا مؤسف! فنحن ننظر الى ما يحصل في سوريا والعالم العربي على انه باب أمل، لاننا نؤمن بان عالم عربي حر وتعددي يدعم فكرة لبنان الحر والتعددي.  ان امتناع مجلس الامن والفيتوهات التي تمارس وتخاذل المجتمع الدولي ازاء ما يحصل في سوريا لن ينقذ النظام ، بل له نتيجة واحدة هي المزيد من الدماء والمزيد من الظلم بحق الشعب السوري.
– تحدثت عن الربيع العربي وعن عالم عربي حر وتعددي. هل تؤمن بان الثورات العربية ستؤدي فعلاً الى عالم عربي حر وتعددي، ام ان ثمة “سايكس بيكو” جديدة لتفتيت العالم العربي وتقسيم منطقة الشرق الاوسط من جديد؟
* لا سايكس بيكو جديد ولا تفتيت للعالم العربي . فالكلام عن ان هذه الثورات الشعبية هي مؤامرة دولية أو خارجية على العالم العربي لا اساس له في الواقع ، بل على العكس ان تصرف المجتمع الدولي تجاه القمع الدموي الذي يمارسه النظام في سوريا مثلاً يؤكد ان الشرعية الدولية تآمرت مع النظام ضد شعبه الى حين تجاوزه كل الجدود .
انني لا  اعتقد بتاتا ان القوى العظمى  قادرة على انتاج ثورات  يشارك فيها مئات الالوف من المواطنين يستشهدون  في سبيل الحرية. هذه الثورات ناجمة عن جيل شاب اكتشف ان العسكاريتاريا العربية، التي جعلته يعيش في سجن كبير على مدى عشرات السنين، تحت شعار مقاومة اسرائيل، لم تقاوم اسرائيل في الواقع .بل ان الوعود بمقاومة العدو الاسرائيلي اصبحت شعاراً لقمعهم وقمع حريتهم، وتعويق انمائهم، لصالح بقاء انظمة دكتاتورية فاسدة تخطف شعوبها وثروات اوطانها .واذا كان من الطبيعي ان يواكب اي تغيير من هذا الحجم اضطرابات  ونكسات الا انني على قناعة تامة بان هذا الحراك لن ينتج في النتيجة لا تفتيت ولا دكتاتوريات جديدة ولا جمهوريات اسلامية متطرفة بل دول مدنية ديمقراطية تعددية  .
– قلت في السابق ان العالم العربي اليوم يستكمل ما بدأته بيروت في العام 2005. الا تعتقد ان لبنان تراجع اليوم عن الربيع الذي بدأه هو؟
* عندما قلت هذا الكلام، قلت معه انه لا يجوز، في الوقت الذي يعيش فيه العالم العربي ربيعه، ان يعيش لبنان خريفه، وان نسمح لمنطق السلاح والمحاور ان يجهض مبادئ ثورة الارز. ومن المؤكد ان السلاح الذي اجهض خيار الشعب اللبناني في اكثر من مرحلة ان في  حرب تموز/ يوليو2006 ، عندما خاض  حزب الله مواجهة مسلحة مع اسرائيل نيابة عن الدولة اللبنانية وعن الامة بأكملها، او كذلك في احداث ايار / مايو 2008  عندما انقلب  السلاح على الدولة والنظام مع ما نتج عن ذلك من تعطيل بعد تفاهم الدوحة   ، أوبعد العام 2009، عندما منع مرة جديدة هذا السلاح ترجمة خيار اللبنانين  في الصناديق وفرض حكومة الثلث المعطل لينقلب عليها  “القمصان السود” ويفرضوا على اللبنانيين اكثرية ناتجة عن ارهاب السلاح  . ولا شك بأن الظروف الاقليمية واجهت كذلك في مرحلة من المراحل، الربيع اللبناني، بالاضافة الى تقصير واخطاء ارتكبتها قيادة قوى 14 آذار. والمطلوب اليوم الا تكتفي هذه القيادة بانتظار التطورات في العالم العربي وان تبادر الى اعادة احياء وتفعيل ثورة الارز. ومن المؤكد ان وجود حكومة حزب الله وسوريا في لبنان بمثابة صفعة  في وجه ثورة الارز .
– لقد وعدت قيادة 14 آذار جماهيرها باستراتيجية تنظيمية جديدة وبمشروع وطني متكامل، الا انها حتى الآن ما زالت في دائرة المتفرّج المتأثر بردات الفعل ولم تنتقل الى مرحلة المبادرة والفعل. ماذا تنتظرون اذاً؟
* هذا الكلام صحيح. فلا شك بان غياب الرئيس سعد الحريري يؤثر في هذا الامر. وانا اوافق على انه يجب الا نكتفي بانتظار تطورات الخارج، وان كانت هذه التطورات تؤثر فعلاً بمجريات الاحداث في لبنان، لكن علينا الا نكتفي بالاعتراف بتأثير احداث الخارج علينا بل ان نبادر الى القيام بواجباتنا، وان نخرج من دائرة الانتظار وردات الفعل الى دائرة المبادرة . وانا اعتبر ان من واجباتنا ان نجمع أولاً كل القوى السيادية في لبنان، سواء المنضوية منها تحت لواء قوى 14 آذار تنظيمياً ام المناصرة من خارج 14 آذار كتنظيم، لأن 14 آذار اكثر من تنظيم. علينا ان نوحد جهود الجمهور السيادي هذا دفاعاً عن سيادة لبنان واستقلاله ، دفاعا عن الدولة الفعلية الديمقراطية ، دفاعا عن الصيغة والشراكة والتعددية . انا شخصياً بدأت اقوم بحراك في هذا الاطار سيتم الاعلان عنه في الوقت المناسب ، واعتبر انه من غير المقبول ان نتخاذل وان نضيع تضحيات شهدائنا ولان نخيب آمال  الجمهور السيادي في لبنان مرة جديدة.
– وهل غياب الرئيس سعد الحريري وحده السبب الذي يمنع 14 آذار من القيام بما ذكرت، ام ان ثمة اسباباً اخرى قد تكون ضغوطاً من الخارج؟
*  ان غياب الرئيس الحريري له الدور الاول في هذا الواقع، كما بعض الحساسيات والحسابات الضيقة التي نراها هنا او هناك ،  لكن لا ادري لماذا تضع قوى 14 آذار نفسها في حالة تصريف الاعمال بانتظار التطورات. واكرر التأكيد على عدم موافقتي على هذا الامر.
– هل تعوّل قيادة 14 آذار على سقوط النظام السوري، لكي تسقط معه حكومة لبنان فتعود 14 آذار الى الحكم؟
* لا شك بان التغيرات الجذرية التي تحصل في العالم العربي وسوريا تفتح مرحلة جديدة في لبنان. وسبق ان قلت ان الربيع العربي يجب ان يدفع حزب الله لفهم ان الظروف التي ادت الى غلبة السلاح على بقية الشعب اللبناني كانت ظروف استثنائية، لأن مشروع غلبة السلاح لم ولن ينتصر في لبنان وحزب الله ليس اول تنظيم يحاول القيام  بهذه المغامرة . لكن 14 آذار تعول اولا على ارادة الشعب اللبناني ومناعة الجسم اللبناني الذي برهن اكثر من مرة انه بالنتيجة لا يمكن لاحد ان يفرض على اكثرية اللبنانيين، وبقوة السلاح، مشروعاً لا يريدونه. وعندما اقول اكثرية اللبنانيين لا اعني المعارضة وحدها، خصوصاً بعد ما نقلته وثائق ويكيليكس من كلام على لسان حلفاء لحزب الله لا يؤمنون بسلاحه ومشروعه. وهذه الوثائق تقودنا الى استنتاج واحد في السياسة، وهو ان لا احد يؤمن بالمشروع الذي يفرضه حزب الله بقوة السلاح على اللبنانيين.
– هل تثق بوثائق ويكيليكس اذاً؟
* نعم لأن الكلام الذي نقلته عنّا جميعاً قيل فعلاً.
– وهل هذا يعني ان كلام الوزير وليد جنبلاط عن تلقيكم اموالاً من المملكة العربية السعودية صحيح؟
* اني مقتنع ان الوزير جنبلاط قد قال هذا الكلام.

– ننتقل الى ملف تمويل المحكمة. هل تعتقد ان حكومة الرئيس ميقاتي سوف توقع على قرار التمويل؟
اعتقد انه في النتيجة سيخرج  حزب الله وفريقه بصيغة تحافظ على الحكومة .
– لكن يحكى عن سيناريوهات مختلفة لتأجيل البت بالموضوع قبل نهاية العام..
* التأجيل ممكن نعم. عملياً، وبغض النظر عن التفاصيل التي تنقل عبر الاعلام، اعتقد ان حزب الله سوف ينفذ حراكه السياسي في هذا الاطار بين حدّيْن، الاول بشكل لا يظهر اعترافه بالمحكمة الدولية، والثاني الا يتسبب بسقوط هذه الحكومة، التي يعتبرها خط الدفاع الاخير لمشروعه، خصوصاً ان النظام السوري الآن في حالة اقل ما يقال عنها انها حرجة. حزب الله لا يتحمّل، في ظل مشروعه الحالي، سقوط النظام السوري وسقوط حكومة لبنان في آن معاً، لذلك سوف يحافظ على الحكومة، وإن اضطر الى تمرير تسويات. وهذه الحكومة في النهاية لا تتحمّل قراراً واضحاً بعدم تمويل المحكمة، لأن تبعات هذا الامر الاقتصادية والمالية على لبنان وعلى رئيس الحكومة قد لا تحمد. من هنا انا مقتنع بأنه، بين التسويف وربح الوقت، وبين المخارج التي يمكن ايجادها بهذا الاتجاه او ذاك، اعتقد ان هذه الحكومة سوف تجد صيغة ما توفّق بين بقائها وعدم اعتراف حزب الله الشكلي بالمحكمة. والى ذلك الحين سوف يستمر الخطاب المزدوج لدى الرئيس نجيب ميقاتي، الذي يؤكد التزامه بالمحكمة من جهة ويتغاضى عن الواقع من جهة ثانية.
– الا تعتقد ان هذه الازدواجية في الخطاب موجودة ايضاً لدى رئيس الجمهورية فيما يتعلق بموضوع السلاح، خصوصاً انه اكد أمام المجتمع الدولي التزام لبنان بتطبيق القرار 1701 من جهة، ولم يتخذ اي خطوة في اطار تنفيذ القرار عملياً من جهة ثانية؟
* اعتقد ان هذه الازدواجية نابعة من ميزان القوى الفعلي على أرض الواقع. فرئيس الجمهورية والرئيس ميقاتي يدركان تماماً ان لبنان لا يملك القدرة ولا مصلحة له بمواجهة المجتمع الدولي، وفي الوقت نفسه، بتشكيل هذه الحكومة ادركا ان هذه الحكومة تتناقض مع الكلام الذي يمكن ان يقولانه امام المجتمع الدولي. وسوف تبقى هذه الازدواجية طالما ان هذه الحكومة مفروضة بالقوة على رئيس الجمهورية وعلى اللبنانيين، وطالما ان الرئيس ميقاتي اختار، تحت شعار الوسطية، ان يقبل بكونه رئيس حكومة حزب الله والنظام السوري في لبنان.
– في ملف القانون الانتخابي. اي قانون برأيكم يؤمن لكم التمثيل الامثل؟
* المعيار الاساسي لأي قانون انتخاب يجب ان ينطلق من قاعدتيْن، الاولى هي ان اتفاق الطائف ثبّت المناصفة بين اللبنانيين مسلمين ومسيحيين، ونحن نريد ان يؤكد على هذه المناصفة داخل المجلس النيابي الذي تنبثق عنه كافة السلطات. القاعدة الثانية هي ان اي قانون انتخابي يجب ان يشجّع التعددية ضمن الطوائف لسبب بسيط، هو ان آحادية التمثيل داخل كل مذهب تحوّل الصراع حول الخيارات السياسية الى انقسام عامودي بين الطوائف والمذاهب، وهذه حالة غير صحية لا تسمح بايجاد اكثرية تعددية تحكم ومعارضة تعددية تعارض.اضافة الى هاتيْن القاعدتين، لا بد من التأكيد على اهمية تطبيق ما سبق وأقر في القانون الانتخابي الحالي في ما يتعلق بحق المغتربين بالاقتراع حيث هم، ونلاحظ ان ثمة تسويفاً ومحاولة التفاف على القانون الذي سبق واقر تقوده وزارة الخارجية بالتواطؤ مع مسيحيب 8 آذار .واذا ما اخذت هذه المعايير بعين الاعتبار، وبعد درسنا كافة القوانين المقترحة وتقديم ملاحظاتنا عليها، نرى حتى الآن، ان القانون الاقرب الى قناعتنا هو القانون الذي قدّمه اللقاء الارثوذوكسي.
– انت اذاً مع انتخاب كل مذهب ممثليه؟
* نعم طبعاً. وثمة من يرى في هذا الامر تكريساً للطائفية، لكن برأيي أن السماح لكل مذهب بانتخاب ممثليه على اساس النسبية، ينقل الصراع القائم في لبنان من صراع بين المذاهب والطوائف الى صراع على الخيارات السياسية داخل هذه المذاهب والطوائف. وبرأيي ان هذا الامر هو خطوة اولى باتجاه تطوير النظام السياسي. من هنا اقول ان اعتماد النسبية ومبدأ كل مذهب ينتخب ممثليه على مستوى لبنان هو القانون الامثل للسماح بمناصفة فعلية من جهة وللتعددية داخل الطوائف من جهة ثانية مما يشكل الخطوة الاولى باتجاه تطوير النظام السياسي .
– ننتقل للحديث عن لقاء سيدة الجبل الذي يتحضر له مسيحيو قوى 14 آذار، وهو لقاء مسيحي. ما الهدف منه؟
* لقاء سيدة الجبل تراث وتقليد بات عمره ثماني سنوات، وهو من تنظيم جمعية تكونت بشكل رسمي. وهدف اللقاء هو جمع نخب مسيحيية  في لقاء سياسي ثقافي تنبثق عنه وثيقة تؤكد على الخيارات الاستراتيجية المسيحية في ظل التطورات الحاصلة. وهو ليس لقاءً لمسيحيي 14 آذار وان كانوا مشاركين اساسيين فيه . ان اللقاء هذه السنة  من شأنه تأكيد النظرة العامة للثوابت المسيحية انطلاقاً من ظروف الربيع العربي اليوم. نسمع الكثير من ردات الفعل والهواجس حول دور المسيحيين المشرقيين، وبالتالي لا بد من اصدار وثيقة سياسية شاملة خارج السجال السياسي المباشر حول رؤية شريحة واسعة من المسيحيين من مثقفين وسياسيين، حول دور المسيحيين في لبنان والشرق في ظل هذا الربيع العربي انطلاقاً من الثوابت المسيحية التاريخية.
– الى اي حد تتوقع ان ينسجم هذا اللقاء، والوثيقة التي ستنبثق عنه، مع مواقف الكنيسة المارونية مؤخراً، وتحديداً مواقف رأس الكنيسة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي؟
* هذا اللقاء ينبثق من الثوابت التاريخية للكنيسة المارونية، المبنية على الحرية والتحرر والعيش المشترك والتعددية والحداثة ، وعلى اعتبار ان المسيحيين في لبنان والشرق ليسوا مجرد اقلية تتساكن مع الاكثرية. بل هم جماعة فاعلة مسؤولون عن مستقبل لهم ولهذه الاكثريات. وانا انطلق في كلامي هذا من نصوص المجمع البطريركي الماروني الذي صدر في العام 2006 وعن ثوابت الكنيسة المارونية، منذ ايام مار مارون حتى اليوم، حيث حافظت هذه الكنيسة على الحرية ورفضت الذمية بأثمان غالية احياناً، وظلت هذه الكنيسة تضمن حقوق المسيحيين في الوديان والكهوف حفاظاً على هذه الحرية. نحن نعتبر ان اي وثيقة سنشارك فيها لا يمكن الا ان تنبثق من هذه الثوابت للكنيسة المارونية ولتاريخ المسيحيين في هذه المنطقة .
– وهل تعتبر ان البطريرك الراعي يحافظ على هذه الثوابت؟
* غبطة البطريرك الراعي مؤتمن على هذه الثوابت، كما لا يمكن لأي بطريرك ان يخرج عنها، وان كان لكل بطريرك نهجه ورؤيته للامور وقراءته. أما بالنسبة لمواقف البطريرك الراعي الأخيرة، فما نقل عنه  في باريس صدمنا، كون ما نقل اتى  مناقضا لهذه الثوابت، الا ان غبطته اوضح ان كلامه كان مجتزأً ولا يمثل قناعته.
– لكن ماذا بالنسبة لزياراته الى البقاع والجنوب اللبناني، والتي يرى البعض انها لم تكن مجرد زيارة “راعي” لرعيته بل كانت زيارة سياسية؟
* لقد اوضح البطريرك، بعد مواقفه في باريس، ان كلامه نقل مجتزأ وقال خذوا الحقيقة من فم البطريرك. من جهة ثانية، يجهد البطريرك بلعب دورً توحيدي او توفيقي بين المسيحيين من جهة وبين كل اللبنانيين من جهة اخرى .
في النهاية الاساس هو ان يكون اي بطريرك مؤتمناً على الثوابت التي حمت الوجود الحر للمسيحيين عبر التاريخ ، والا يساوم على هذه الثوابت لحساب اي اعتبار تكتيكي. وهنا لا بد من القول ان بعض الغموض في حركة البطريرك بعد عودته من باريس، والنفي غير المرفق باعلان رؤية واضحة سمح للفريق الآخر ان يدخل في لعبة الاستغلال مما يسبب ضررا كبيرا يعيق الدور التوحيدي الذي يجهد البطريرك لانتهاجه ” سواء من خلال رفع صور البطريرك الى جانب صور السيد حسن نصرالله والرئيس السوري بشار الاسد متوجةً بعبارة “يا أشرف الناس”، أو من خلال الزيارات المكثفة من قبل السفير السوري ومفتي سوريا، او من خلال  ما حاولوا جرّ البطريرك اليه في الجنوب، وما واجهه غبطته بصمت وبالامتناع عن  الكلام السياسي .  وبرأيي ان المسيحيين، وعلى رأسهم بكركي مطالبون بتأكيد خياراتهم  للمرحلة المقبلة انطلاقاً من ثوابتهم وليس من مخاوفهم, اذا كان من الطبيعي ان يكون لدى المسيحيين هواجس يعبرون عنها الا انه يجب الا نجعل الخوف يقودنا بل ان تقودنا ثوابتنا وقناعاتنا التاريخية. ونحن نتمنى ان يكون لقاء سيدة الجبل مدماكاً على طريق اعادة تأكيد الثوابت التاريخية للمسيحيين وللكنيسة المارونية في ظل الربيع العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى