المقالات

الخروج الاميركي المذل من افغانستان اغاظ البريطانيين المبادرة الان في غير صالح النفوذ الاميركي

عمر عبد القادر غندور

على مدى 20 عاما خاضت الولايات المتحدة حروبا في افغانستان سقط فيها 241 الف قتيل، وتكاليف بلغت 2.26 ترليون دولار سددها دافعو الضرائب من جيوبهم، والنتيجة خروجا مذلا كالذي حصل بعد سقوط سايغون في العام 1975 ايذانا بإنتهاء حرب فيتنام وخروج الولايات المتحدة مضرجة بالدماء تجر اذيال الهزيمة تاركة الاف الضحايا من جنودها ومئات المعوقين !!
ولعل اكثر الدول تأثرا بالهزيمة هي بريطانيا التي ساهمت في حرب الاميركيين في افغانستان لمدة من الزمن، وقد المح وزير الدفاع البريطاني بن والاس من خلال متابعتنا للملف الافغاني منذ اسبوعين، الى امكانية عودة قوات بلاده الى افغانستان مرة اخرى، في حين كان البانتغون الاميركي يعلن عن نقل ثلاثة الاف جندي من الكويت والسعودية لسحب الديبلوماسيين الاميركيين من كابول، وبدت “الدولة العظمى” في العالم، في حالة ارتباك وسوء تقدير للمجريات وهو ما ازعج البريطانيين فقالوا بالامس: الانسحاب الاميركي من افغانستان كان خطأ مكّن طالبان من فرض سيطرتها ، ونخشى من هذا الانسحاب الاميركي غير المنظم ان يُقوّض مكانة الغرب ويوحد صفوف المجاهدين في كل مكان ويقوي حجج روسيا والصين وايران. وكان لافتا الاسف البريطاني المشبع بالرغبة في قهر الشعوب واستعمارها واستغلالها على مدى الازمان،ان تشبه الانسحاب الاميركي المذل من كابول بأزمة السويس عام 1956 والتي كانت خطأ استراتيجيا فادحا افقد بريطانيا العظمى هيبتها في الشرق الاوسط، وهو ما ستدفع ثمنه الولايات المتحدة غاليا، وهو ما يذكرنا بعودة قواتنا مهزومة خلال حربها مع الافغانيين 1839- 1840 .
ومع ذلك نظن ان الانسحاب الاميركي من افغانستان ينطوي على نوايا خبيثة اقلها ايجاد ارض تحتضن جميع العناصر المسلحة بايدلوجيات متناقضة تقاتل بعضها بعضا، وبالتالي ضرب النموذج الاسلامي كنظام حكم وحياة اكثر ما تخشاه الولايات المتحدة والغرب.
ولعل من ابرز المستجدات خلال الساعات الماضية ما اعلنته طالبان بعد دخولها الى كابول وهو العفو عن جميع الافغانيين الذين تعاونوا مع سلطات الاحتلال الاميركي…
وشهد مطار كابول في اليومين الماضيين حشودا من الافغانيين المتعاونين والمحسوبين على الولايات المتحدة، يريدون الخروج مع القوات الاميركية، الا ان هذه القوات قامت بردعهم واطلقت النار في الهواء لابعاد عملائها عن الطائرات، وأُعلن عن وجود اشلاء بشرية على عجلات طائرة حطت لتوها في احد المطارات خارج افغانستان.
وهذه ليست المرة الاولى التي تتخلى فيها الولايات المتحدة عن عملائها وتتركهم لمصيرهم وكما فعلت في فييتنام، وهو دأبها دائما وتبقى النتيجة في استخلاص العبرة…
ولا شك ان الادارة الاميركية تحاول لملمة هزيمتها الكبرى في وسط آسيا، وهو ما اخرج الرئيس السابق دونالد ترامب عن صمته وهاجم خليفته بعنف ووصف الانسحاب بالكارثي. بينما دافع جون بايدن عن قرار الانسحاب وقال انه “غير نادم “
لا بل تبجح بالقول: لم نكن في مهمة بناء امة ولا مركزا للديمقراطية بل لتدفع هجمات ارهابية على واشنطن !!
وتحدث بايدن في الساعات الماضية الى رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون وتواعدا على عقد اجتماع افتراضي للتوثيق بين الحلفاء والشركاء لمواجهة “الارهاب الاسلامي” فيما اشارت مراكز الاستطلاعات الاميركية الى تدني شعبية جو بايدن الى ادنى الحدود.
من هي حركة طالبان؟
نشأت الحركة الاسلامية في ولاية قندهار الواقعة جنوب شرق افغانستان عام 1994 على يد مؤسسها الملا محمد عمر ويلقب بأبي طالبان وهي حركة اسلامية عقائدية هدفها القضاء على مظاهر الفساد الاخلاقي وساعده على ذلك طلبة المدارس الاسلامية الذين بايعوه اميرا عام 1984.
اعترفت باكستان بحركة طالبان كحكومة شرعية في افغانستان وكذلك فعلت المملكة السعودية والامارات العربية. وفي 22 ايلول 2001 سحبت كل من السعودية والامارات اعترافهما بحكومة طالبان وبقيت باكستان الدولة الوحيدة التي تعترف بحكومة طالبان.
وينتمي معظم افراد طالبان الى القومية البشتونية، وتعتنق طالبان العقيدة الاسلامية السنية المبنية على الدليل الشرعي من القرآن والسنة الصحيحة وتميل الى المذهب الحنفي وتتسامح مع مخالفيها من غير بني جنسهم وتتشدد في تفسير الدين الاسلامي وتعتبر الحكم الشرعي في مذهبها حكما واحدا لا يحتمل الاخذ والرد حوله .
وحركة طالبان ليست ميليشيا تحتضن كل من يحمل سلاحا ويتدرج واحدهم في المدارس الدينية من مرحلة الى اخرى حيث يبدأ بالمرحلة الابتدائية ثم المتوسطة فالعليا والتكميلية ويقضي الطالب عاما يتخصص في دراسة علوم الحديث. وترفض الحركة الديمقراطية لان الديمقراطية تمنح حق التشريع للشعب وليس لله، وان القران والسنة هما دستور الدولة الاسلامية.
واليوم بعد ان عادت طالبان الى السلطة بحلة جديدة وقيادة جديدة، فانها تطرح افكارا جديدة للحكم وتنادي بحكومة تشاركية وتحرص على عدم اهراق الدماء، ويتزعمها حاليا الملا هبة الله اخوند زادة.
اما وقد عادت الحركة الى السلطة بعد هروب الاميركيين فانها امام مرحلة جديدة تعني الاقتصاد والثقافة والعلاقات الاجتماعية وضرورة التفاهم مع الاتنيات الاخرى كالطاجيك والاوزبيك والهزارة، وعلى حدودها دول فاعلة كالروس شمالا والصين شرقا وايران غربا وتتطلع تركيا الى تواجد في وسط اسيا كمكاسب استراتيجية، وليس من الحكمة اهمال الدور الهندي، ولا شك ان الولايات المتحدة ستستثمر في في هذا الموزاييك، وربما يفسر هذا انسحابها من افغانستان رغم علمها ان الجيش الافغاني الذي صرفت عليه المليارات غير قادر على مواجهة طالبان وهو ما تحقق فعلا.
ولنترك للايام القادمة ان تتحدث عن مستقبل افغانستان التي لم تتوقف فيها الحروب منذ القرن الثاني عشر.
وفي جديد التطورات غرد اليوم متحدث باسم الخارجية الصينية مذكرا في مقطع فيديو للرئيس الاسبق جورج دبليو بوش يعلن انه بجهود جيشنا وحلفائنا الافغان الشجعان نهاية حكم طالبان.

رئيس اللقاء الاسلامي الوحدوي
بيروت في 18/08/2021

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى