التحقيقات

معرض الفنانة ميرفت الحسيني

الإختلاف هبة.. والحضور ألوان يختلف الإنسان في الشكل واللون والعقل والإنتماء، كما تختلف الألوان الأسياسية في الطبيعة إلا أن الإنسان يمتلك قدرات فطرية نعجز عن تفسيرها، كما يمتلك قدرات تعبيرية تتنوع من خط أو لون أو موسيقى أو أي شكل تعبيري ما زلنا نجهله، ونجهل معه قدرة الفرد على الإبداع الفني المرتبط بالقدرة على التواصل الإجتماعي أو فقدانه.
إن الفن هو القدرة على انتاج الجمال من بصري أو مسموع، حسي أو ملموس وما إلى ذلك من مسميات. إلا أن رسوم الأطفال تحمل في طياتها فناً من نوع آخر هو بمثابة الهوية الخاصة له، ولعالم ممسوح بالجمال الخلاق أو الصافي من المشوهات الدنيوية التي نعجز عن تصحيحها في أنفسنا. لأننا نخجل من أي عيب جيني يشبه اللون في لوحة لا ننظر إليها بمحبة.
فن فطري متمرد على كل مدارس الفن التشكيلي أطلت من نافذته «ميرفت الحسيني» الطفلة بعمر الورود، والمرأة بعمر النضوج. استقبلتني بفرح وألق جعلتني أتساءل أي ثقة تمتلك، فحديثها بدأ معي عن أحلامها وألوان رسوماتها المفعمة بالحياة، ففي كل لوحة رسمتها فرحة تختلف. ربما! في الفن التشكيلي نبحث عن القياسات والأشكال الهندسية، عن المضمون والأسلوب عن رؤية الفنان والقدرة على ايصالها لكن!. هنا توقفت وشعرت بالذهول أو بلحظات أعادتني فيها ميرفت حيث الجمال الحقيقي. جمال الفطرة الإنسانية الحقيقية التي تبحث عن الحلم. سألتها أي الرسومات تحبين؟. مدت اصبعها تشير إلى رسمة فتاة تدير ظهرها لتبقى مع الطبيعة فقط، وهي لوحة لها مضمون نفسي تعبيري، وكأنها تخبرني أنها ترفض العالم الحقيقي وتتجه نحو عالم اللون.
أحسست أن الطفولة في الأنسان لا تموت ولو بلغ من العمر عتيا، لأن ميرفت أكتسبت الثقة بالنفس ممن حولها، من أمها التي حضنت موهبتها كما حضنت أنامل ميرفت الفرشاة، من أختها التي تشبه فراشة تطير فرحاً مع ألوان ميرفت، فهي استطاعت انتاج لوحات تتوالف فيها الألوان الأساسية مع شخصيات ربما هي كرتونية من وحي ساندريلا، والحسناء والوحش ومن وحي الطبيعة والزهور الملونة لكنها تحمل في مضمونها قيمة تعبيرية لها وجودها في الحياة التي لا يمكن تجاهلها، ولو أنها لا تحمل مقايسس تشكلية أو لونية يتقيد فيها الفنان عادة، ليظهر براعته التشكيلية لأن ميرفت هنا أظهرت براءة الفن وخصائص نمو احتياجاتها، لتخلق عملها الفني كي تشعر بوجودها في مجتمع أدارت له ظهرها في لوحة أحبتها «ميرفت الحسيني».
نرسم فطرياً ما يعلق بالذهن، فالأشخاص في لوحاتها لهم صفة الحلم الطفولي للوصول إلى مقاييس النضوج الجسدي من طول وجمال وزينة وأقراط، فالتفاصيل في رسوماتها متكررة وخطوطها قوية متكسرة ومتقطعة، فالنفس مهما طغى عليها اللون يبقى الخط هو القدرة على التركيز والاتصال مع العالم وهو صلة الوصل الأولى التي من خلالها يبدأ الطفل الكتابة، والإبتكار فالخط هو الحركة التي يبدأ بها رسمه والتي رسمت هبة من خلالها لوحاتها الإيهامية والصور المرئية في معرضها «اختلافي هبة وحضوري ألوان» نشاط فني هادف يتميز بالقدرة على التعبير عن الميول اللاشعورية التي تتجه نحو الفن في جدلية تقطّع اللون، وتختزل الرؤية، فتخفي ميرفت الأنامل أحيانا خلف الرأس وتظهرها صغيرة في أماكن أخرى، فالإنسان مهما اختلفت الصيغة في جيناته إلى أنه يحمل وعيا يتلاءم مع البيئة الملاءمة له، فالدور الإجتماعي الحاضن! اسهاماته واضحة في انتاجيات ذوي الاحتياجات الخاصة واحترام الأختلاف هو بمثابة شكر لله على اعطاء نعمة الروح لفلذة أكبادنا، فما رأيته من محبة وألفة من أهل ميرفت جعلني أدرك قيمة رسوماتها، وغموض الحركة في كل لوحة فقدت الحوار الداخلي مع اللون، وأظهرت قوة في الخطوط الحادة.
رسومات أحببتها لأننا فد نفقد لغة القراءة والكتابة، لكننا سنحاول دائما اكتشاف لغات داخلية تتخطى طلاقة التعبير اللفظي وتتجه نحو التعبير الفني، ليبقى داخل واقعه الخاص به والذي يصعب علينا فهمه.
إن معرض «ميرفت الحسيني» هو من الأنشطة الحرة القادرة على ادراك مفاهيم جمالية أنتجت رسومات سيكولوجية ترتقي لمستوى فني أعطيتهُ في مقالي هذا!. أسم» فن تريزوميكي» تسعى ميرفت من خلاله ان تعطي للوجه الإنساني ملامح حكايات طفولية أحببناها لها خصائص عديدة استخدمتها في رسم القياسات، والنسب حسب اتجاهاتها النفسية وارتقاء قدراتها الواعية وتفاعل خبراتها، فاتساع الحجم وتكسر الخطوط وانفصال الألوان تظهر التباين في الآداء المرتبط بفروقات التآزر اللوني ومهارات التعبير الإنفعالي، ومقدار توافق ميرفت مع العمل الفني التشكيلي، فهي رسمت ولونت وأنتجت عملا جعلها موجودة في داخله. حالة فنية نمطية تضمنت ملامح غير واضحة المعنى، لكنها مقروءة كرسومات الأطفال التي تجعلك تضحك وتبكي عفوياً، لهذا كتبت عنها من احساسي أن لكل انسان الحق في الحصول على حقوقه كاملة، فالموهبة تتخطى اي تريزوميك، واللون لغة تعبيرية نحتاجه جميعا، فهل يستطيع أي فرد من ذوي الاحتياجات الخاصة أن يحظى بالرعاية والإهتمام؟.
مثل ميرفت الحسيني التي قالت: «اختلافي هبة وحضوري ألوان».

ضحى عبد الرؤوف المل

{ المعرض تم افتتاحه في الرابطة الثقافية بالتعاون مع «دار الفن» يوم 8-11-2012 الساعة الخامسة بحضور رئيس بلدية طرابلس الدكتور نادر الغزالملاحظة تريزوميك  (trisomic) مصطلح طبي معناه مُتَثَلِّثُ الصِّبْغِيّ.

اللواء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى