المقالات

السنيورة يطرح مبادرة لتوحيد القوى السيادية ووقف التناحر

مواجهة الفراغ ورفض المقاطعة والتصدي للإحباط

كتب: أحمد الأيوبي -المصدر: موقع البديل

ما أن أنهى الرئيس فؤاد السنيورة مؤتمره الصحافي اليوم الأربعاء 23 شباط 2022 حتى نشر الأمين العام لتيار المستقبل (المعلق نشاطه السياسي) أحمد الحريري على حسابه في “تويتر” صورة للرئيس سعد الحريري وعلّق عليها بالقول:”موقف سعد الحريري وحده يمثلني”، ولتنطلق بعدها حملة عبر وسائل التواصل الاجتماعي تتناول الرئيس السنيورة بمختلف أنواع النقد والهجوم والتطاول والتخوين، وهذا ما أثار استغراب كثير من اللبنانيين الذين استغربوا هذه الهجمة غير المبرّرة على مواقف السنيورة، خاصة أنّه لم يتعرّض بالهجوم للرئيس الحريري وأعطى مبرّرات تخفيفية لانسحابه من الساحة السياسية، لكنّه تمسّك بالثوابت الوطني وذكّر بأنّه كان مع الشهيد رفيق الحريري في تأسيس هذا المسار الوطني الذي يمثل اليوم إرث الشهيد الكبير.

تحديد المواجهة مع مشروع “حزب الله”

أكّد الرئيس السنيورة أنّنا “نواجه أزْمةً وطنيةً ولا نواجه أزْمةً طائفيةً، بل هي أزْمةٌ يتعرّض لها كل الوطن وجميع اللبنانيين”. وأضاف: “الدولة اللبنانية أصبحت مخطوفة ومرتهنة ولم تعد هي صاحبة السلطة والنفوذ والقرار في لبنان وأنّ هناك حاجة ماسة لأن يدرك ويتفاعل الجميع مع هذه الأزْمة وبالتالي المبادرة إلى المشاركة في إيجاد الحلول لها وذلك لاستعادة الدولة واستعادة سيادتها المفقودة”.

وتابع: “لا يمكن إعادة بناء الدولة اللبنانية طالما استمر “حزب الله” يسيطر على هذه الدولة مستقوياً بسلاحه إلاّ أنّه ومن جانب آخر لا يمكن إلغاء “حزب الله” من المعادلة الوطنية وبعبارة أخرى فإنّه لا دولة مع سلاح “حزب الله” ولكن هناك إمكانية لدولة مع “حزب الله” من دون سلاح الحزب الذي أصبح بالفعل موجهاً إلى صدور اللبنانيين وصدور الأشقاء العرب”.

لهذا، فإنّ أيّ مواجهة فرعية بين القوى السيادية ستكون خدمة مباشرة للحزب مهما كانت مبرّراتها.

موقع السنيورة في مشروع رفيق الحريري

أعاد الرئيس السنيورة تحديد العلاقة مع آل الحريري عندما ذكّر المعنيين بأنّه من مؤسسي نهج رفيق الحريري وأنّه مؤتمن عليه، وما لم يقله هو أنّه ليس بحاجة إلى من يضع له المعايير في مقاربة الحفاظ على إرث الشهيد رفيق الحريري، وضمناً فإنّه يضع نفسه بعيداً عن التصنيفات التنظيمية التي كشفت هزال المشهد المستقبلي مع انحراف أحمد الحريري عن جادة المنطق والحكمة في مقاربة تعليق الرئيس الحريري عمله وعمل تياره السياسي.

قال الرئيس السنيورة:”أنا كنت ولاأزال أسير على النهج الوطني الذي اختطيناه- الرئيس الشهيد رفيق الحريري وأنا- على مدى سنوات طويلة، والذي لايزال يعتمده الرئيس سعد الحريري، ويتمسّك به تيار الرئيس الشهيد، وهو تيار وطني لبنان واسع عابر للطوائف والمذاهب”.

المحاسبة واستخلاص الدروس

صحيح أنّ الرئيس السنيورة تفهّم قرار الرئيس الحريري فيما وصل إليه من تعليق لعمله السياسي، لكنّه شدّد على ضرورة “استخلاص الدروس المستفادة من تجربته (الحريري) الوطنية والسياسية في قيادة تيار المستقبل وحركة 14 آذار وفي رئاسة الحكومة وفي المجلس النيابي”.

واقع الحال أنّ خروج الحريري من العمل السياسي في هذه اللحظة، يمثل أحد وسائل الهروب من المساءلة والمحاسبة، والتي كانت ستتجسّد في صندوق الاقتراع.

ولعلّ أهمّ الخلاصات الواجب اعتمادها هي رفض التنازلات السياسية التي أوصلت البلد إلى السقوط في قبضة “حزب الله”.

المبادرة وليس التخلّي والانسحاب

يطرح الرئيس السنيورة “المبادرة إلى المشاركة في إيجاد الحلول” لأزمة “اختطاف الدولة واستعادتها واستعادة سيادتها المفقودة”، وأنّ هناك حاجة ماسة لأن يدرك ويتفاعل الجميع مع هذه الأزْمة”.

هذا الاختطاف أشار إليه الرئيس الحريري في مؤتمر تعليق عمله السياسي، لكنّ الرئيس السنيورة يطرح المبادرة والعمل على استنهاض الحالة الوطنية وعلى رأسها أهل السنة والجماعة للمواجهة السياسية والانتخابية في وقت واحد، وهذا معاكس تماماً لما أراده الحريري من انسحابه، وهو الذي أراد أن يبدو الواقع السني عاجزاً متصحراً وغير قادر على الحركة وعلى التصدي للتحديات التي أدار الحريري ظهره لها، وبات يعمل على عزل قاعدة تيار المستقبل، ووضعها في صناديق محجوزة وممنوعة من ممارسة حريتها وواجباتها السياسية والوطنية، وفي هذا السياق يؤكد السنيورة على ضرورة “البدء في تصويب بوصلة النضال الوطني، حتى لا تستمر حالة الضياع والاستعصاء على الإصلاح”.

الدعوة إلى التعاون مع القوى السيادية وإيقاف المهاترات

أمّا الملاحظة الأهم في كلام السنيورة، فهي دعوته المتكرّرة في أكثر من موضع في مؤتمره الصحافي إلى تعاون القوى الوطنية السيادية للحفاظ على الهوية والدستور واستكمال تطبيق اتفاق الطائف، حيث أكّد السنيورة أنّ “الاتجاه الوحيد الذي يمكن أن يُخْرِجَ لبنان من أزْمته، هو في متابعة النضال السياسي على جميع المستويات، والقاضي بالتوصل إلى توافقٍ متنامٍ بين جميع اللبنانيين، ولاسيما بدايةً بين الذين يؤمنون بسيادة لبنان، وبضرورة استعادته لقراره الحر”.

وهذا الاتجاه، هو عكس المنحى الذي يسلكه أمين عام تيار المستقبل أحمد الحريري، في ظلّ صمتٍ تأييديّ واضح من الرئيس سعد الحريري، ويستخدم فيه كلّ أشكال التخوين للحلفاء، وعلى رأسهم القوات اللبنانية.

ويأتي في هذا الإطار أيضاً عدم انخراط الرئيس السنيورة في حملة استهداف نجل الرئيس الشهيد رفيق الحريري بهاء واعتماد معيار التمسك بالسيادة وقيام الدولة ومواجهة المشروع الإيراني عنواناً جامعاً لكلّ من ينخرط في هذه المواجهة، بدون النظر إلى الاعتبارات الشخصية أو الفئوية.

دعوة إلى المشاركة ورفض المقاطعة

رفض السنيورة مقاطعة الانتخابات النيابية وجعل الدعوة إليها في موضع الشبهة التي توحي بأنّ “لبنان فقد قواه الحيّة ورضخ للهيمنة وهذا غير صحيح فإرادة اللبنانيين لم تنكسر

ولن تنكسر”، ولذلك فإنّ “الاقتراع هو تعبير عن الاستنكار والرفض لممارسات الهيمنة والفساد والإفساد، وذلك ليصل صدى الاعتراض إلى كلّ اللبنانيين وإلى الأشقاء والأصدقاء حول العالم وإلى جميع المنظمات الإقليمية والدولية”.

رفض الإحباط والإصرار على المواجهة

ختم الرئيس السنيورة مؤتمره بنداء استنهاض توجّه فيه إلى “جميع اللبنانيين طالباً ومحفزاً لهم أن لا ييأسوا، وأن لا يسمحوا بالقنوط والإحباط أن يتسلّل إلى نفوسهم. إذ ليس صحيحاً أنه لا يوجد حل لمشكلاتنا. الحل موجود لدينا، وهو بداية في أنفسنا وفي إيماننا ببقاء لبنان كصيغةٍ وكوطن من أجل أن يبقى لبنان. وهذا يقتضي منا أن نعود الى لبناننا أولاً وإلى الالتزام بمبدأ وفضيلة العيش المشترك”.

ما قدّمه الرئيس السنيورة مبادرة متكاملة تصلح لتكون منطلقاً لتعاون القوى الوطنية السيادية، وهي تخترق حالة المراوحة، وتفتح الباب أمام فرصة سياسية يحتاجها جميع معارضي “حزب الله” لالتقاط الأنفاس وتنظيم الصفوف واستعادة التوازن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى