المقالات

لبنان بين صراع الاضداد ووسطية الحل – بقلم: نسيم ضناوي

من يتعمق في المسالة اللبنانية ويدخلها الى مختبر السياسة الموضوعية، ويتعرف اليها من بوابة التاريخ والجغرافيا او من خلال ما يعرف بالجيوبوليتيك، يجد متاهة التعقيدات، وطبقات من التراكمات، ولفيفا من الازمات التي يصعب او يستحيل ادارتها او اختراق طبقاتها او الدخول في متاهتها الا من خلال الوسطية.

هذه الكلمة التي يستهين بها البعض، ويستسهل قولها البعض الآخر من السياسيين وبالأخص اللبنانيين منهم، ظانا انها من الممكن ان تكون موقفا عابرا له او رهانا غير مكلف بظنه.

الوسطية اصعب قرار وبالذات في المسألة اللبنانية، ذلك ان الوسطي لا يمكن ان يكون مذهبيا وطائفيا ولا يمكن ان يكون ضد طائفته ومذهبه، والسياسة اللبنانية قائمة على مفردة الطائفة وتوجه المذهب.

الوسطية مكلفة في الواقع اللبناني، ذلك ان السياسة اللبنانية سياسة تعتمد على التجييش العاطفي والاثارة المشاعرية بينما الوسطي لا بد ان يكون متوازنا في العقل والعاطفة.

الوسطية لا ترضي احدا من الاطراف اللبنانية المتناحرة، لانها وسطية، لانها لا الى هؤلاء ولا هؤلاء ولكنها مع هؤلاء وهؤلاء في مناطقهم الايجابية وضدهم في مجازفاتهم السلبية الغير مجدية والغير منطقية.

الوسطية لا يفهمها ولا يتفهم موقفها الا العميقون بفكرهم المتخلون عن السطحية والمتعالون عن التفاهات لان لغتها لغة عميقة ومنطقها منطق رياضي استراتيجي لا تكتي ولا آني.

الوسطية لا يتذوق طعمها ولا يشم رائحتها الا من كان نقي الذوق عزيز النفس لم تدخل الى ذهنه ولا الى ادراكه لوثات الصنمية الصماء والتبعية العمياء.

الوسطية لا تدخل المال الى الجيوب ولا تغطى بها العيوب فلا تنفع ستارا للفساد ولا تجلب المنافع للمنتفعين وتؤمن المصالح لذوي الحاجات الخاصة بعرف اهل السياسة والسياسيين اللبنانيين.

الوسطية منهي عنها في التاريخ اللبناني ومحارب اهلها لانهم خارجون عن عرف العصبية البغيضة التي ارادها الكثيرون من السياسيين عنوانا لحركة العيش اللبناني.

الصراع اللبناني المستمر منذ تاسيس الكيان اللبناني ترادفت فيه الاضداد وتوازت فيه المتناقضات على ان الوسطية واتباعها يجب ان يتم اجلاؤهم عن الساحة اللبنانية والتعامل معهم بقسوة لانهم يحملون فكرا مدمرا لانانياتهم قاتلا لاحقادهم مزلزلا لعروش كراهيتهم.

يقبلون بالضد ولا يقبلون بالوسط  يقبلون بالموت ولا يقبلون بالوسط الشافي المعافي لكل مشاكل الوطن اللبناني. تعودوا على بث سمومهم فكيف يقبلون بالعقار المزيل لاثرها.

في لبنان تتقاطع احيانا مصالح المتناقضات فيتوهم الناس الاسستقرار ويلجؤن الى الاعمار وترميم الدمار ثم ما تلبث ان تعود تلك المتناقضات الى التناحر والتقاتل من اجل الحصص ومن اجل المكاسب المادية البعيدة كل البعد عن الوطن ومصالح اهله.

في كل البلاد وفي كل العالم الضد يظهر حسنه الضد الا في لبنان فالضد يظهر حسنه ويحل مشكلته الوسطية.

نسيم ضناوي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى