الأخبار اللبنانية

الراعي وصل إلى دير الأحمر والتقى فاعلياتها

وصل موكب البطريرك مار بشارة بطرس الراعي عند الأولى وعشر دقائق الى دار مطرانية دير الاحمر، وبعد استراحة قصيرة، التقى النائب اميل رحمة ونواب المنطقة الموارنة السابقين نادر سكر وربيعة كيروز وطارق حبشي، في حضور المطران سمعان عطاالله.

تلا ذلك لقاء مع الكهنة والرهبان والراهبات في صالون المطرانية، ثم مع الممثلين المحليين للاحزاب، ولقاء آخر مع رؤساء بلديات منطقة دير الاحمر ومخاتيرها في الصالون الكبير.

وعلى مائدة الغداء التي أعدتها مطرانية دير الاحمر تكريما للراعي، ألقى عطاالله كلمة قال فيها: “قبل خمس سنوات ونصف رافقتموني عرابا لاتسلم خدمة ابرشية بعلبك – دير الاحمر – الهرمل التاريخية. كيف لا وأول كرسي اسقفي في بعلبك يعود الى اواخر القرن الاول للميلاد. وفي هذه الناحية ازدهرت الحياة المسيحية الى درجة ان احد رجالات الكنيسة الملافنة، القديس ايرونيموس، كان في طريقه الى الاراضي المقدسة، يعرج على منطقة بعلبك ليرى كيف يقرأ مسيحيوها كلمة الله ويشهدون بايمانهم التقي وعيشهم اليومي لإنجيل مخلصنا يسوع المسيح ولرسالة الخلاص الشامل التي يتضمنها”.

أضاف: “وبعد أن أجمع مطارنة السينودس الماروني على شخصكم الوقور بطريركا مارونيا على كرسي مدينة الله انطاكية وسائر المشرق، سألتموني بأبوة كيف حال الكنيسة في البقاع الشمالي، وأجبت غبطتكم: “تعال وانظر” وكم كان فرح ابناء هذه المنطقة، بمسيحييها ومسلميها، كبيرا عندما أخذوا علما بمواعيد زيارتكم الابوية لجغرافية ابرشيتهم وتاريخها، لانسانها واوضاعه على كل الصعد، وكم انا سعيد ان استقبلكم اليوم وارافقكم في تفقد ابنائكم المسيحيين واخوتنا المسلمين، المنتشرين على مدى اتساع رقعة هذه المنطقة، وهي تكون ربع مساحة لبنان ونيف. انها واسعة بمساحتها وغنية بأرضها وجوفها، ولكنها منسية ومحرومة وغناها غير مستثمر، فنزح ابناؤها وهجروا، ناسين انهم حملة رسالة خلاصية لابناء الارض قاطبة”.

وتابع: “فراعي القطيع كان غائبا بسبب التنظيم الكنسي السابق والدولة لم تحضر منذ ان أخذ لبنان استقلاله، فضلت ان تطالب بعودة الفلسطينيين الى ارضهم من ان تهتم بتثبيت المواطن اللبناني وخصوصا المسيحي منه، في أرضه البقاعية، والغريب هو ان الدولة التي كانت تدعى مارونية هي التي هجرت العديد من البلدات المارونية، اثر بعض الحوادث المخجلة التي كانت تقع بين فئة واخرى، عوض ان توفر لهم الامن وتثبتهم في ارضهم”.

واعتبر أن “هذا النزوح أو ذاك التهجير، خلق مشاكل عديدة، والايام تمضي وليس من يفكر بحل. مرور الزمن ليس لصالح المهجرين او النازحين ظلما. اريد ان انوه ببعض من الملفات الساخنة التي يتركها وراءه هذا الواقع المرير، اذكر اولا ملف الارض، ملف تداخل العقارات انه يصلح لان يكون موضوع مؤتمر وطني او مادة اساسية من مواد “طاولة الحوار الوطني”. ان اهمال هذا الملف سوف يغير الكثير من المعادلات ويشكل بالتالي خطرا خبيثا على هوية لبنان ودوره الحضاري ورسالته. هذا الملف المفتوح منذ عشرات السنين في عدة نقاط من البقاع الشمالي، ترك وراءه تداعيات سلبية، ليس اقلها التهجير والنزوح وما نتج من ذلك من تعديات على الملكية الخاصة حتى بين الذين تربط في ما بينهم رباطات اللحم والدم”.

وسأل: “من يعيد السلام الذي فقد بين الاخوة، ومن يبني المحبة التي جفت بين ابناء البلدة الواحدة؟ من المفترض ان نرجع الى روحنا المسيحية. لكن الغرائز البشرية والمصالح المادية والاجتماعية الخاصة اصبحت هي الكتب المقدسة التي يقرأ فيها اصحاب الانانيات المتعجرفة والامبال الملتوية المشبوهة والعنجهيات المتغطرسة تخرب كل شيء وتقتل كل مودة وتطرد من العقول ثقافة الديموقراطية، لانها لا تنبع من مشاريع ، في أساساتها فكر راق وحب ناضج. وهذا ما اغلق الباب امام كل محاولة لاقامة المصالحات بين المواطنين. انه ملف آخر يتطلب تدخل المرجعيات وغبطتكم على رأسها لكي نضمد الجراح ونعالج الاسباب وننمي الايمان في العقول ونعيد السلام الى القلوب، فتنتعش الاخوة ويقوى عندنا حس قبول الآخر، لبنيان الوحدة بالمحبة وفتح الباب واسعا أمام الشهادة المطلوبة والمنتظرة”.

وقال عطاالله: “في الحقل الانمائي يوجد ملف المياه، وهو ملف حيوي. فالمياه تهدر في باطن جبالنا وسهلنا والودايا وليس من يستخرجها لصالح المواطنين معيشيا واقتصاديا وزراعيا. وهناك ملف التواصل بين المناطق فالمواطن بحاجة الى نفق او انفاق بين دير الاحمر، مثلا، والساحل اللبناني، اختصارا للمسافات ومنعا لتلف الاعصاب وهدر المحروقات والسماح لابناء هذا البقاع بالعودة يوميا الى بيوتهم”.

أضاف: “أبانا صاحب الغبطة، اعترافي هذا يتضمن، الى جانب الملفات الحمراء، ملفات خضراء ولو كان استثمارها معدما، غير انها تبقى واعدة، لاننا نثق بمستقبل لبنان وبخاصة بمستقبل الكنيسة في هذه المنطقة المميزة. ففي تاريخ ابرشيتنا، نذكر بانه في ظل قدمية كرسي بعلبك الاسقفية عرفت هذه المنطقة جماعات مسيحية مزدهرة، كان يؤمها المؤمنون من كل حدب وصوب اطلعوا على خبرتهم المسيحية وعلى سبل قراءتهم لكلمة الله (ايرونيموس اخبر عن ذلك) ثم ان هذه الجماعات اعطت عددا من القديسين والقديسات (القديسة بربارة وايليا البعلبكي ويوسف حداد الدمشقي ونخلة باشا المطران)، اشتهروا كلهم بقداسة السيرة في تاريخ هذه الكنيسة المحلية. وايام الحرب الاخيرة التي عصفت بلبنان سقط لكنيستنا ضحايا بريئة عديدة وشهداء قديسون، أمثال غصيبي كيروز والاب نقولا كلويترز اليسوعي، اللذين اعطيانا درسا في تقديم الشهادة لانجيل ربنا يسوع المسيح، بلغت إراقة دمائهم الزكية حبا بايمانهم والتزاما للتبشير بانجيل مخلصنا وفادينا يسوع المسيح وبتعاليم امنا الكنيسة، ولو كانت مرفوضة من بيئتها، او من قسم من ابناء تلك البيئة، الذين ما يزالون يطبقون تربية الانغلاق والانعزال ورفض الآخر وتكفيره على أصعدة الدين والثقافية والفكر والاجتماعات والسياسة والاقتصاد.دعوتنا محبة كل انسان، كل قريب كما هو، من أجل البلوغ الى الهدف المنشود وهو تحقيق طلب السيد المسيح: “وتكونون لي شهودا”.

وقال: “الملف الثالث الاخضر هو ملف حركة الحوار المسيحي – الاسلامي، التي اسسناها وبدأنا، من خلالها، نفكر معا في مواضيع روحية ولاهوتية وإنمائية واجتماعية تهم حوارنا، راجين الوصول الى مفهوم مشترك حول اكبر عدد من المواضيع، مما يهدم الحواجز في ما بيننا ويقربنا من بعضنا البعض، خدمة لرسالة وطننا لبنان، كما اننا ننظم نشاطات مشتركة، مثل عيش يوم كامل مع بعضنا البعض، نكسر خلاله خبز الطعام معا ونصلي معا ونفكر معا، وننظم ايضا فرص عيش مشتركا لاولادنا كان يمضي اولاد مسلمون نهاية الاسبوع في عائلات مسيحية، والعكس بالعكس. هذا العمل يجد تشجيعا كبيرا واندفاعا جديا من المشاركين”.

أضاف: “ببركتكم، أبانا صاحب الغبطة، وبنعمة الرب وشفاعة قديسي ابريشيتنا، نحن واثقون من اننا سوف نصل الى بنيان كنيسة في هذا البقاع الشمالي الحبيب، الذي يتضمن مزارين كبيرين عالميين، دير مار مارون على العاصي، وسيدة الرعاة في بشوات، من مستوى الانتظارات. وقبل ان أختم، علي ان أقدم لغبطتكم واجب التعازي الحارة بفقدكم ابن شقيقة حبيب، سقط مأساويا وهو يقوم بواجب القسم الثاني من برنامجه الرهباني: العمل، الآب طوني عاد الى صمت الله، دخل الى الابدية، فلتسترح نفسه في سلام الله وليعوض الرب على الرهبنة والكنيسة بدعوات مقدسة وعلى غبطتكم وعلى عائلته بالتعزية وليعطكم جميعا نعمة الرجاء والشهادة لقيامة ربنا من بين الاموات”.

وختم عطاالله: “اخيرا، لا آخرا، أود تكرار الشكر لغبطتكم على تفقدكم إيانا رغم المصاب الاليم: جئتم لتنظروا وتسمعوا وتلمسوا وتدعموا وتوجهوا. فاني مع كهنة الابرشية ومؤمنيها والفاعليات على جميع الصعد وفي كل الحقول، اطلب بركتكم الابوية، ومعكم ومع اخوتي المطارنة أحيي جميع الرسميين من نواب حاليين وسابقين ورؤساء بلديات مع مجالسهم والمختارين ورئيسات ورؤساء أديار وعسكريين وأمنيين واعلاميين، شاكرا إياهم تشريفنا وكسر خبز الطعام على مائدتنا، وهي مائدتهم في النهاية، مؤكدا لغبطتكم الولاء والصلاة وطالبا البركة والدعاء”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى