المقالات

العيد يوم الجائزة

بقلم الدكتورة: فضا الكوح

وسمّي بالعيد حتى يستبشر مدركه بعودته مرّة أخرى، وقال الزمخشري: “العيد: هو السرور العائد؛ فكلّ يوم شُرع تعظيمه يُسمّى عيداً”
العِيد: الموسِمُ، وكلُّ يومٍ فيه جَمْعٌ؛ فهو اسمٌ لِمَا يعودُ من الاجتماعِ العامِّ على وجهٍ مُعتادٍ، عائدٍ بعودِ السَّنةِ، أو بعودِ الشَّهر، أو الأُسبوع، أو نحوِ ذلِك (عاتكة زياد البوريني).
وشرَع اللهُ لهذه الأمَّة الفرحَ والسرورَ بتمام نِعمته، وكمالِ رحمته؛ فعيدُ الفِطر يأتي بعدَ تمام صيامهم الذي افترَضَه عليهم كلَّ عامٍ، فإذا أتمُّوا صيامَهم أعتَقَهم من النارِ؛ فشَرَع لهم عيدًا بعد إكمالِ صِيامِهم، وجعله يومَ الجوائز، يرجعون فيه مِن خروجهم إلى صلاتِهم وصَدَقتِهم بالمغفرةِ، وتكون صدقةُ الفطرِ وصلاةُ العيدِ شُكرًا لذلك
ويقول محمد الجابري قد ثبت في الصحيح من حديث أنس رضي الله عنه قال : ( قدم النبي صلى الله عليه و سلم المدينة فوجدهم يحتفلون بعيدين، فقال : كان لكم يومان تلعبون فيهما ، وقد أبدلكما الله بهما خيرا منهما ؛ يوم الفطر و يوم الأضحى )
و العيد في الإسلام يختلف عن كل الأعياد في سائر الأمم، يختلف في المصدر و المضمون و كذلك في المظهر.

فمصدر العيد عندنا نحن المسلمون هو الله ( قد أبدلكما الله بهما عيدين )، بخلاف الأعياد في سائر الأمم حيث نجد أن العيد مصدره من عند رئيس أو حاكم ، و ما كان من الله فقد حرف و بدل.
وشتان شتان بين العيد الذي مصدره ممن يعلم السر و أخفى و بين العيد الذي يكون مصدره من عند مخلوق ضعيف لا يستطيع أن يعلم ما ينفعه عوضا أن يعلم ما ينفع غيره .
لكن في الإسلام نجد أن العيد – لأنه من عند الله – فمضمونه الشكر لله على كريم إنعامه ، و وافر عطائه بالهداية إلى الإسلام يوم ضللت أمم من البشر { و لتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم و لعلكم تشكرون }.
ولهذا شرع لنا أن نكبر و نهلل ونحمد الله في أيام العيد .
ضمون العيد في الإسلام هو شكر لله أن وفق العبد للطاعة في تلك العبادة التي سبقت العيد .
مضمون العيد فرحة رجاء أن نكون من المقبولين ، المعتوقين من النار – إما في شهر الصيام حيث يعتق الله في كل ليلة رقاب من النار ، أو في يوم عرفة حيث ما من يوم أكثر من أن يعتق رقابا من النار من ذلك اليوم .
والعيد في الإسلام في مضمونه يتماشى مع الفطرة ؛ فالنفس البشرية تكل و تمل ، وتتعب و تنصب ، فكان من الحكمة أن يكون لها مجالا في المباح للراحة بعد النصب و للفرح بعد العمل ، وحتى تستجم فيزداد نشاطها فتعود لعمل الصالحات بقوة و نشاط ، و لهذا حرم الرسول صلى الله عليه وسلم صيام يوم العيد حتى تأخذ النفس شيء من الاستراحة ، فإن مواصلة العمل يورث الكلالة و الملل ( و إن الله لا يمل حتى تملوا ).
أما من ناحية المظهر فالعيدان هما مظهر من مظاهر الشكر لله ، و لهذا فهما يأتيان بعد عبادتين عظيمتين ، الصوم و الحج .
نظهر الفرح في يوم العيد شكرا لله أن يسر لنا إتمام هاتين العبادتين الجليلتين قال تعالى : { قل بفضل و برحمة فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون }.
ونظهر الفرح بما أباح الله لنا من اللعب و اللهو في يوم العيد لأن في ديننا فسحة كما كان رسولنا صلى الله عليه و سلم يفعل فلقد كان الحبشة يلعبون بالحراب في المسجد، و يجعل عائشة تنظر إليهم ، بل و كان يشجعهم على ذلك فيقول: ( دونكم يا بني أرفدة ، لتعلم يهود أن في ديننا فسحة ،إني بعثت بالحنيفية السمحة ) وكان يسمح للجواري أن يضرب بالدف بين يديه و في بيته .
و لهذا فإن من الخطأ جعل العيد مناسبة للحديث عن المآسي و الأحزان ، لا أقول ننسى هذه المآسي أو نتركها ، ولكن نحن نفرح بالعيد كما أمرنا الله، لا فرح يُطغي و لا سرور يُنسي ، بل هي الوسطية و الاعتدال .
يقول فضيلة الشيخ عبد الوهاب الطريري ( في مقال نفيس في مجلة الدعوة –عدد 1919 بعنوان لا تقتلوا فرحة العيد ) :
و خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، و قد كان يستعيذ من الهم و الحزن ، ويعجبه الفأل ، دائم البشر ، كثير التبسم …… و نحن أحوج ما نكون إلى أمل يدفع إلى عمل ، و فأل ينتج إنجازا ، أما المهموم المحزون فهو غارق في آلامه، متعثر في أحزانه، مدفون في هم يومه ..) ا.هـ
ولهذا شرع لنا أن نقدم زكاة الفطر، وأن ننحر الأضاحي،و نتصدق منها ، نتذكر بذلك إخواننا المسلمين في يوم العيد.
فلا إله إلا الله ما أعظم كمال هذا الدين، و ما أسمى منهجه .
أن الإسلام لا يحارب الفرح و المرح ، بل الإسلام دين الفرح و دين البهجة و السرور ، و هل يعمل المسلم في هذه الدنيا إلا من أجل الفرح الأكبر، و هل يجتهد في الطاعات إلا من أجل أن يدخل دار الفرح و السرور.
لكن الإسلام يجعل الفرح في حدود ، ويجعل المرح في ضوابط حتى لا يطغي و ينسي مقاصد أعظم و أمور أهم .
العيد مظهر من مظاهر تلاحم الأمة، وتمثيل في أرض الواقع لحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا)
شرع الله -تعالى- العيد، وجعل لذلك حِكماً عديدة، ومن ذلك ما يأتي:
 توحيد شعور الفرح عند المسلمين في وقت واحد. تقوية العلاقات بين المسلمين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى