المقالات

إنهيار الهيكل – د. قصي الحسين

غرد رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط عبر ” تويتر” متسائلا: “إلى متى سننتظر التسوية المطلوبة والتي تقتضي بإجتماع الوزارة فوق كل إعتبار، للمشاركة بعملية الإصلاح والتفاوض مع صندوق النقد الدولي؟. إلى متى ستبقى الحسابات الفئوية الصغيرة، أقوى من مصلحة الوطن؟. ماذا ينتظرون، وقد بدأ الهيكل ينهار على رؤوس الجميع”.

تخوف وليد جنبلاط من عدم إجتماع الحكومة هو في محله. لأنه توجس الناس كلهم. يتساءلون عما يحصل في البلد. وعما إذا دخل “إجتماع الحكومة” بحد ذاته، في المساومة على “عظائم الأمور”. وعما إذا كانت هذة الأمور العظيمة والخطيرة أو التافهة والسخيفة، داخلية، أم خارجية. وهل حل هذة الأمور المشار إليها، والذي هو بحكم المستعصي حتى الآن، هو بأيدي الأطراف اللبنانية أنفسها. أم هو بأيدي غيرها من الأطراف الخارجية؟. وإذا ما كان بإمكان الأطراف الداخلية، تستطيع، أن تأخذ قرارها، نفسها بنفسها، دون إستشارة من أحد. أو دون إستشارة الأطراف الخارجية الداعمة لها.

مواجهة الدعوة لإجتماع عقد الحكومة، بإزاحة القاضي بيطار عن “تحقيق المرفأ”، إنما هو قرار من طرف داخلي بحت، كما يظهر لنا للوهلة الأولى. وكذلك التمسك بالقاضي بيطار، محققا في قضية المرفأ، إنما هو قرار من طرف داخلي بحت، حتى يثبت العكس. ووضع القرارين في الواجهة وفي حكم المواجهة بينهما، إنما يشي بلعبة جديدة خلف الستارة، لا تنطلي على أحد.
تغطية “قضية المرفأ”، في مقابل ما تبقى من ولاية الرئيس، هو مطلب الثنائي. وهذا الثمن ليس كافيا، لدى التيار البرتقالي. لأن الشغل على “الولاية الثانية”، كان قد بدأ، منذ إستقالة حكومة الرئيس سعد الحريري، عقب ثورة ت1-2018. و”ورقة المرفأ” اليوم، في السنة الأخيرة من ولاية رئيس الجمهورية في العهد الحالي، هي أهم ورقة بيد التيار البرتقالي. فما أختبر منها، يبين أنها “آلة حادة”، وليست سيفا خشبيا. ولهذا على الناس الإنتظار، حتى تنتهي فصول المساومة على القاضي بيطار، ولو سقط الهيكل على رؤوسهم ورؤوس جميع اللبنانيين. وهذا ما نخشاه، ويخشاه العقلاء، ويحذرون منه، وفي طليعتهم رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي، وليد جنبلاط.

إجتماع الحكومة، بعد “تسوية” قضية المرفأ، للمباشرة بعملية الإصلاح والتفاوض مع صندوق النقد الدولي، يفتح الباب على إشتباك آخر. أطرافه داخلية وخارجية في آن. فالأطراف الداخلية يمكن لها أن تقوم بالأصلاحات. يمكن لها أيضا أن تستعجل الإصلاحات. ولكن المراقبة الدولية لها في المرصاد. فهل يمر إصلاح ولو بالإتفاق داخليا، دون رضى الموفدين من المراقبين المسؤولين الدوليين؟.
إن السماح ب”تمريرة” في قضية المرفأ، أهون بعشرات المرات من “تمرير” إصلاحات تعتورها الشوائب. وهذا أمر يعجز واقعيا، جميع القوى ، وجميع الأطراف اللبنانية. إذ الجميع شركاء فيما آلت إليه الأوضاع الإقتصادية في البلاد. وإذا ما كانت “كفة الفساد” تميل إلى جهة أكثر مما تميل إلى غيرها من الجهات، غير أن الأوربيين، يرون الفساد فسادا أينما كان. وهذا لا يمر تحت المراقبة الدولية، لذا فهو شديد الصعوبة على الحكومة، التي لا تجتمع ولا تجمع على “الأقل” وهو عزل القاضي البيطار مثلا، فكيف ستجتمع وتجمع على “الأكثر”: أي ملف الفساد المالي بأكمله، والذي أهدر مليارات الدولارات، وأغرق جميع الأطراف في وحوله، ولم نستبن بعد “الفرقة الناجية”؟.

يدرك وليد جنبلاط حجم هذة “الصعوبات” فيقول متألما: إلى متى ستبقى الحسابات الفئوية الصغيرة أقوى من مصلحة الوطن؟. ثم يستكمل القول: ماذا ينتظرون. وقد بدأ الهيكل ينهار على رؤوس الجميع!.

الحسابات الفئوية، في مسألة البيطار، لها إمتدادات وجودية في الخارج. ولذلك الكباش السياسي عليه في الداخل شديد القوة. وإذا ما أرخى البرتقالي طرف الحبل، لكسب يكسبه، فإن من في الخارج له المرصاد . وثمنه، بل مربط فرسه، معروف: هو اليوم في “فيينا” على النووي الإيراني. والمفاوضات حوله، لا تزال في أولها. وقد يطول الوقت، حتى آخر العهد. حتى تتضح الأمور، وما إذا كانت “قمحة أم شعيرة”. أما الإصلاح، فمربطه السلاح. هو مبتدا الأصلاح وهو بالتأكيد، ليس آخره. وهذا أمر من الصعوبة على دول أن تقبل به اليوم بعد إنهاء الميليشيات بحسب بنود الطائف، وبعد ورقة جدة الأخيرة والمتأخرة: الفرنسية -السعودية. وبعد بيان قمة الدول الخليجية الذي إستضافته المملكة العربية السعودية، قبل أيام.

وليد جنبلاط، يعرف جيدا الأكمة وما وراءها. وهو يرى إلى الحبل المالي والإقتصادي والسياسي والإجتماعي، والعربي والدولي، الذي يشتد على خناق لبنان. وآخر إنعكاساته عليه:
١-المقاطعة الخليجية، والحل الذي أعلن عنه. ٢- خرق الدولار لكل السقوف العالية، وتهديد أمن لبنان، المالي والغذائي والصحي، والتربوي والإجتماعي. ولذلك نرى وليد جنبلاط، يستحث جميع الأطراف الداخلية أن تترفع عن الصغائر، حتى لا يصاب الشعب بحريق إرتكاب الكبائر، والدخول كسر عظم، مع القوى والمحاور والدول الخارجية. وحاله ليست أفضل حالا من الشاعر القديم:
بذلت لهم نصحي بمنعرج اللوى/ فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد.
فلما عصوني كنت منهم وقد أرى/ غوايتهم، وإنني غير مهتدي
وهل أنا إلا من غزيةإن غوت/ غويت وإن ترشد غزية أرشد.

د. قصي الحسين
أستاذ في الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى