الأخبار اللبنانية

عون من كندا: الإضطرابات في لبنان لا تتعدى مشكلات محدودة وفردية

استهل رئيس تكتل “التغيير والاصلاح” العماد ميشال عون، اليوم الثاني من زيارته لكندا، في مؤتمر عام ل”التيار الوطني الحر”، حيث اجتمع بكوادر التيار، وشدد على وجوب تسجيل أبناء اللبنانيين المغتربين في سجلات النفوس اللبنانية ليستحصلوا على هويتهم الأساسية، و”ذلك للحفاظ على ديموغرافية لبنان واستمراره”، مشيرا إلى أن “هناك حوالى أربعة ملايين لبناني في لبنان في مقابل ستة عشر مليون لبناني منتشرين في العالم”.

وأكد أنه “مهما طال غياب الإنسان عن وطنه، سيجد مع عودته بيئة تحضنه”، لافتا إلى أن “اندماج اللبنانيين مع المجتمعات الغريبة يقوم من خلال بعد صغير من شخصيتهم، لأن اللبناني بطبيعته متعدد الثقافات ومنفتح على كل الحضارات، وهذا ما يؤمن له سهولة الإندماج في مجتمعات مختلفة، إلا أن هذا الإندماج يقوم فقط على جزء صغير من ثقافته، وفقا لمتطلبات محيطه الجديد”.

وقال أن لبنان “عرف كل الحضارات وتعايش معها، فبنى تاريخا عريقا، وهذا ما جعل من شعبه شعبا عظيما، وما كانت عبارة “يا شعب لبنان العظيم” إلا إستنهاض للبنانيين لتذكر تاريخهم”، مشيرا إلى أنه “قد يكون اللبنانيون فقراء ولكن الفقر ليس كل ما يميز الإنسان، فهناك دول متطورة وغنية ومن الممكن أن تنهار في أي لحظة”.

وذكر أنه “ولإعادة التواصل بين المغتربين وبلدهم الأم، عمل على مشروع لإقامة خطوط جوية مباشرة بين لبنان وبلدان الإنتشار، وذلك لتسهيل عودتهم إلى أرض الجذور، وطلب من المغتربين المشاركة بالحياة السياسية وذلك من خلال انتخاب ممثلين عنهم في البرلمان اللبناني ينقلون هواجسهم وتطلعاتهم”، لافتا إلى أن “الجدل لا يزال قائما في لبنان حول قانون انتخاب المغتربين، وأنه يعارض القانون الذي توصلوا إليه إذ يجب أن يقوم على وحدة جغرافية محددة بين الناخبين وممثلهم، وليس وحدة عالمية”.

أما بالنسبة للتنظيم والتواصل بين مكونات “التيار الوطني الحر” في مختلف أنحاء العالم، لفت عون إلى أن “عالم الإنترنت يسهل كثيرا هذا الأمر، إذ بواستطه بات الجميع قادرين على التواصل في ما بينهم وتبادل الأفكار والأخبار، من دون إنتظار ما قد تنقله وسائل الإعلام الإسرائيلية والغربية من تضليل إعلامي وتشويه للحقائق”.

وأعطى مثالا عن حرب تموز العام 2006، مشيرا إلى أن “كثيرين اعتبروا أن التيار الوطني الحر صار ينتمي إلى “محور الشر” لأنه وقف إلى جانب حزب الله في الحرب، فيما الحقيقة هي أن التيار وقف إلى جانب لبنان وليس إلى جانب حزب الله لأن الأخير هو جزء من المجتمع اللبناني، وأي إعتداء على أي جزء من لبنان هو اعتداء على لبنان ككل، وعلى جميع الللبنانيين أن يكونوا متضامنين عند أي اعتداء، وإلا لا يجوز أن يكونوا منتمين إلى وطن واحد وهوية واحدة. ورد على من قالوا إن التيار ينتمي إلى “محور الشر”، بالقول “أنتم تنتمون إلى محور الكفر”، لأنه ما من ديانة في العالم تحرم شعبها من حق الدفاع المشروع عن النفس ضد اي اعتداء قد يشن عليه”.

وشدد على “عيش الحياة المسيحية بقول الحقيقة أينما كنا في العالم. فالوصايا العشر هي للشعب اليهودي المغلق، بينما المسيحية نقلت الوصايا من السلبية الى الايجابية، فالمسيح لا يكتفي بالقول لنا “لا تشهد بالزور” بل يقول “أنا ما جئت إلى هذا العالم إلا لأشهد بالحق”، وهناك فرق كبير بين رؤية الجريمة والسكوت عنها، والاكتفاء بعدم شهادة الزور، وبين رؤيتها وفضحها بقول الحقيقة”.

أضاف: “أنا أمارس مسيحيتي ولذلك لا يهمني سوى قول الحقيقة إن كنت في كندا أو أوروبا أو أميركا أو أينما وجدت في العالم، لأن للحقيقة وجه واحد، وهذا التواصل في ما بيننا يضعنا دائما على طريق الحقيقة من دون أن يقوى أي أحد على تشويهها”.

وحذر عون المغتربين من “الإعلام المضلل، حيث أنه من الممكن أن يتحسن قليلا لأنه بدأ يفقد عنصر المال، الذي يأتيه كرشاوى لتشويه الحقائق ما يؤدي بالتالي إلى خراب لبنان”، داعيا الجميع إلى “التمييز ما بين علاقاتهم الشخصية وعلاقتهم بالتيار”، مشددا على “ألا تؤثر مشاكلهم الشخصية على قضيتهم الوطنية”، ودافعا إياهم إلى أن “يحلموا دائما بتحقيق الأفضل لوطنهم، لأنه بالحلم يتوصل الإنسان إلى تحقيق ما يشاء”.

وإذ حث الجميع على نشر الأخبار الصحيحة، لفت إلى أن اللبنانيين “معتادون على نشر الإشاعات أكثر من نشر الأخبار الصحيحة، وأعطى مثالا على ذلك إشاعة امتلاك الوزير باسيل لطائرة خاصة التي تزامنت مع خبر فقدان خمسة ملايين دولار من الخزينة”، مشيرا إلى أن “إشاعة الطائرة استمرت في التداول على كامل الأراضي اللبنانية ولمدة طويلة، بالرغم من تكذيب جميع المعنيين لها، فيما خبر فقدان الخمسة ملايين دولار لم يهتم له أحد ولم يصل إلا لعدد قليل من الناس والذين بدورهم اهتموا لإشاعة الطائرة وتداولوها أكثر بكثير من فضيحة الملايين المفقودة”، مؤكدا “نحن بصدد إصدار كتاب عن الفساد المستشري في الدولة اللبنانية والأموال المفقودة، حيث ستجدون بالأرقام كل ما فقد من الخزينة العامة منذ العام 1990”.

وعن التنظيم الداخلي للتيار، لفت عون إلى أن “الهيكلية باتت شبه مكتملة، والكل يقوم بممارسة مهامه على أكمل وجه، ويبقى فقط بعض التعديلات الطفيفة التي يتم العمل عليها ليتم بالتالي الإعلان عن الهيكلية كاملة قبل نهاية العام”.

وفي موضوع الإنماء المتوازن، أشار إلى أن “العنوان جيد، ولكن التنفيذ سيء، إذ عمد الحكام إلى التعاطي مع الأرض اللبنانية على أساس أنها مستعمرة، وهذا ما خلق خللا في إنماء المناطق، وما دفع أيضا بأبناء القرى إلى بيع أرضهم والهجرة. أرضنا هي هويتنا، فنحن لبنانيون لأن أرضنا تدعى لبنان، والأرض التي تترك تصبح مشاعا، أما الشعب الذي يبيع أرضه يصبح لاجئا. والأمثلة على ذلك كثيرة، وهي بجوار لبنان وعلى الأراضي اللبنانية أيضا”.

تابع: “منذ العام 2008 ونحن نشن حربا ضروسا بسبب تنظيم بيع الأراضي لغير اللبنانيين، وتحديد شروط البيع، إلا أننا في كل فترة نعود ونواجه مشكلة من هذا النوع فنعمل على مواجهتها وإيقافها، ومن هذه المشاكل بعض السماسرة اللبنانيين الذين يشترون الأرض، ويؤسسون شركة مع مع غير لبناني يمتلك 49% من أسهمها”.

وردا على سؤال عن “الهجوم الإعلامي الذي يعتمده الفريق الآخر والذي يضع التيار الوطني الحر في موقع الدفاع”، قال: “بالرغم من كل ذلك تراهم يفشلون ونحن على طريق النجاح، وذلك لأن الحقيقة مهما غابت ستظهر في النهاية وتنتصر. الحقيقة ثابتة ولا تتغير مع مرور الوقت أو ابتعاد المسافات، ولذلك الحقيقة قد تضجر البعض، فيما الكذب متجدد وفيه نوع من الإثارة التي تجذب الإنسان، هذا بالإضافة إلى أنه من الممكن أن نسمع مئة إشاعة في اليوم الواحد، وهذا ما يؤدي إلى ضياع المرء في موجات كبيرة من التضليل والكذب. إنطلاقا من هنا، علينا أن نختار ما بين الحقيقة الثابتة أو الإشاعة”.

وفي نهاية المؤتمر تم وضع خطوط عريضة لطريقة عمل “التيار” في أميركا الشمالية.

بعدها، كان لعون لقاء شعبي مع الجالية اللبنانية في أوتاوا، التي أقامت على شرفه والوزير جبران باسيل حفل عشاء، إستهله باسيل بكلمة شدد فيها على الوجود المسيحي في منطقة الشرق الأوسط، معتبرا أن “الإنسانية والمواطنية والمشرقية ثلاث مزايا إذا ما انفصلت، فقدت الشخصية اللبنانية وضاعت الهوية المشرقية. ميزات بشرية ثلاثة اذا ما تفككت، انشطر لبنان وتآكلت الانسانية وتهاوى العالم”.

أضاف باسيل: “ما نناضل من أجله ليس دفاعا عن لبنان وعن مسيحييه فقط، بل هو دفاع عن الشرق الاوسط والمشرق معا لا بل عن العالم أجمع، بمسيحييه ومسلميه”، مشيرا إلى أن “المعادلة بسيطة ومفهومة: أن لا مسيحيين في لبنان يعني حكما أن لا مسيحيين لا في المشرق ولا حتى في بيت لحم والقدس؛ وأن لا مسيحيين في الاراضي المقدسة يعني حكما أن لا مسيحية في العالم ولا حتى رسالة لها في اي مكان منه”.

تابع: “لقد حاولنا جاهدين اقناع العالم بأهمية أن يكون لبنان بلد الرسالة، رسالة معنوية للانسانية جمعاء، الا ان عالم المصالح لا زال يهتم بالبلدان-المادة، موادها المال والاقتصاد. ولا زال هذا العالم يهتم في منطقتنا، ومن زاوية مصالحه، بأمرين اثنين: امن اسرائيل ونفط الخليج. لذا فإننا، ومن دون ورع، نقدم لبنان الى عالمنا هذا من زاوية الحاجة المادية اليه وليس فقط من منظار الرسالة الانسانية فيه”.

وختم قائلا: “يتكلم البعض عن غرب من دون قلب وشرق من دون عقل، ونحن نقول اننا عقل هذا الشرق وقلبه في الغرب. نقول إننا قلب الشرق في الغرب لاننا نحمله في قلبنا، فندافع عنه ونحارب فكرة الاسلاموفوبيا وعملية تخويف الغرب من الاسلام فيما هو في الاصل دين تسامح وسلام. ويبقى ان نكون قلب الغرب في الشرق ليكون لهذا الغرب قلبا فيتوقف عن فعل ما يفعله بمسيحيي الشرق؛ ويبقى على مسلمي العالم ان يكونوا عقلنا وقلبنا في هذا الشرق لاننا ملائكته وضمان سلامه وسلامتهم”.

ثم ألقى عون كلمة قال فيها للحضور: “إخوتي وأحبائي، أنا سعيد اليوم جدا في هذا اللقاء الذي جمعنا بأحباء من لبنان ومن الجوار وكلكم شوق للوطن الأم، دون أن تنسوا الوطن الذي تبناكم وأعطاكم فرصا في الحياة أي كندا، وحبكم للوطن الأم لا يتناقض أبدا مع محبة كندا التي هي وطنكم الثاني. كما تعرفون، لبنان منذ 50 عاما يعيش مراحل اضطراب، أحيانا تزداد حدته وأحيانا تخف. السبب هو أنه لم يكن هناك معالجة جذرية للمشكلات التي تعترضنا، ودائما كان المستفيدون من ضرب الإستقرار في لبنان يستعملون التناقضات والفوارق الموجودة حتى يشعلوها من داخل لبنان، وتتوفر لهم الظروف التي تسمح لهم أن يستعملوا لبنان كأداة لتنفيذ سياستهم المحلية والأوسع”.

أضاف: “كان لا بد بعد هذه التجربة القاسية التي عشناها لغاية إبعادنا إلى فرنسا العام 1990 أن نغير المقاربة لإعادة الإستقرار ونثبت استقلال وسيادة لبنان. عندما رجعنا إلى لبنان كانت الحواجز الترابية قد أزيلت من الطرقات، ولكن الحواجز النفسية كانت لا تزال ثابتة وصلبة بين مكونات المجتمع اللبناني بأكمله، ومن هنا توجب علينا أن نبدأ بتكسير هذه الحواجز وإعادة بناء الثقة بين مكونات المجتمع اللبناني كي نرجع التناغم بين كل هذه المكونات التي قد تكون سياسية أو دينية”.

تابع: “لذلك بدأنا انطلاقا من مشكلات الجنوب، وكان لا يزال يعاني من آثار الحرب مع إسرائيل التي بدأت في العام 1975 وانتهى بجزئها الأكبر في العام 2000 بانسحاب الجيش الإسرائيلي من مناطق كثيرة كانت محتلة. من هنا، بدأنا حوارا مع حزب الله كي نحدد نقاط الخلاف أو النقاط “الحامية” التي ممكن أن تستعمل أحيانا لإشعال الموقف أو لزيادة الإضطراب. توصلنا بنهاية المطاف إلى تفاهم حددنا فيه 10 نقاط، مبدئيا خلافية ولكن جعلناها وفاقية، لأننا فهمنا أنه يجب أن نجمع فوارقنا مع بعضها البعض وألا نطرحها من بعضها البعض. عملية الجمع تجعلنا أثرياء وعملية الطرح تجعلنا فقراء معدمين. وعلى هذا الأساس بدأت الأمور بالعودة إلى طبيعتها”.

وأردف: “لكن هناك قسما من اللبنانيين لم يفهم معنى هذا التعامل الجديد بين بعضنا، المبني على الثقة وعلى التفاهم والإنفتاح، لم يفهم أنه إذا استمر التحفظ بين بعضنا البعض ولم نتجرأ على المصارحة لتحديد أين نختلف كي نعالج موقع الخلاف، فسنظل متصادمين. أما القسم الذي فهم، ففهم منذ البداية، وكان صادقا وصريحا في علاقاته. من لم يفهم، اعتبر هذا الموضوع مناورة سياسية أو تحالفا ضده، ومن هنا استمرت المشكلة جزئيا مع الأسف، لأن هذا النمط الجديد لا يمكن أن يكون سهلا للذين اعتادوا المشكلات بإرث من سالف العصور حتى اليوم، ولا يزالون، كأنهم معتادون على مرضهم ويخافون الشفاء منه”.

تابع: “ولكن على الرغم من كل ذلك، خلق هذا التفاهم نوعا من معادلات القوة الجديدة، وهذا ما يحفظ الإستقرار في لبنان، فريق قوي سياسيا وأمنيا، وفريق أضعف. القوي لا يريد ضرب الإستقرار في لبنان وهو يحافظ عليه، والآخر الذي يريد ضرب الإستقرار لا يستطيع ضربه. من هذا الفارق نتج الإستقرار الحالي وهو مستمر؛ فلا تخافوا من الإضطرابات في لبنان فهي لا تتعدى مشكلات محدودة وفردية”.

وقال: “لا شك أن هذا المفهوم الجديد والتعاطي الجديد في لبنان خلقا نوعا من القلق عند الدول الخارجية التي تتعاطى بالشأن اللبناني، وهي أيضا اعتبرت الموضوع أعمالا معادية لها، لأنها تريد السير بمسار معين، لفرض السلام على اللبنانيين أو كسب السلام برضاهم. من هنا بدأنا نسمع الشائعات حول تصرف غير طبيعي، وحتى أن بعض الغرب لم يتردد بالقول لنا “أنت مسيحي، فكيف تتفاهم مع حزب مسلم أصولي..؟” وإلى ما هنالك.. وهذا ما جعلننا نتحدث عن “الإسلاموفوبيا” عند بعض الغرب، وبدل أن يشجع القسم المعتدل كي يظل معتدلا ويتطور أكثر، نجده يدعم اليوم الأصوليات التكفيرية التي خربت الدول العربية، ويسمونها ربيعا عربيا بينما هي جهنم العربية ولن تكون أبدا ربيعا”.

أضاف: “عدت في العام 2005 إلى لبنان، وكان عندي أيضا هم إقليمي. كلنا نعرف أن على الحروب أن تنتهي يوما، عليها أن تنتهي عندما يزول السبب أو الحاجز الذي كان يمنع السلام بين الأوطان، وخصوصا بين لبنان وسوريا أي الجيران، والجيران يتميزون إما بالعلاقة السيئة وإما بالعلاقة الجيدة، ليس هناك من حل وسط. نحن وإسرائيل في علاقة حرب، نحن وسوريا في علاقة سلام. سوريا خرجت من لبنان، ولبنان عاد ليركز سيادته واستقلاله، ولكن يجب أن ننهي المشكلات التي ورثناها من الصدام السابق. كان علينا أيضا أن نبدأ الحوار ونعالج الأمور الموروثة السيئة”.

تابع: “كان الموروث سيئا جدا، كان دمويا، كانت هناك نزعة للسيطرة في سوريا على لبنان. دافعنا عن استقلاله وعن سيادته حتى الموت، وكنا دائما نقول إننا لم نفقد وعينا بروح ثأرية وبكراهية وبغضب، ولكن أثناء الحرب – وهذا هو العقل العسكري السليم – كنا نعرف أنه سيأتي وقت للسلام وأن للحرب حدود، ولذلك كانت دائما مواقفنا تقول إنه عندما ترجع سوريا إلى سوريا سنبذل كل جهد ممكن حتى تكون بيننا وبين سوريا أفضل العلاقات، هذا ما احترمناه وهذا ما نفذناه، وفيه مصلحة الجميع”.

واستطرد قائلا: “هناك بعض اللبنانيين لم يتقبلوا الأمر، وأتأمل أن يعودوا عن التفكير البسيط الذي ينطلق من الغريزة. اليوم، وبعد 3 حروب كبيرة بين فرنسا وإلمانيا في الأعوام 1870، 1914، 1939 ذهب ضحيتها مئات الملايين من القتلى، فرنسا وألمانيا جارتان تعيشان بسلام وبينهما العلاقات السليمة. فقد قيض لهذين البلدين رجلان حكيمان، هما الجنرال ديغول من فرنسا وأيدنهاور من إلمانيا، التقيا ودرسا أسباب النزاع، فتبين لهما أن السببين هما الفحم والحديد، فأسسا شركة مساهمة بين فرنسا والمانيا، وباشرا باستغلال الفحم والحديد سويا. بعد ذلك تطورت العلاقة، فأصبح هناك سوق أوروبية مشتركة، ثم توسعت السوق وتوسع الإتحاد حتى أصبحت أوروبا اليوم موحدة تنعم بحرية وبأنظمة حرة، وتوقفت الحروب في ما بينها وعاد السلام إليها. يجوز أن تختلف أوروبا مع بلدان بعيدة ولكن لا خلافات بين بلدانها. هذا ما نتوخاه من كل حركتنا السياسية التي لا تفتش فقط عن حالة أمنية مباشرة بل عن حالة أمنية مستدامة استراتيجية إلى الأمام”.

تابع: “إذن نأمل من كل اللبنانيين سواء كانوا هنا أو في لبنان أن يفهموا كيف تبدأ وكيف تنتهي ظاهرة الحرب كي نقدر أن نبني حياة مشتركة مبنية على آمالنا بمستقبل مسالم ومزدهر. كل هذه الأمور نبتغيها وهي ثابتة ولن يقدر أحد أن يغيرها، لا يعتقد أحد أنها تزول بالكراهية أو بالمدفع، فالكراهية تقتل أصحابها، ولكنها لا تقتل مخاصميها لأن مفاعيلها تأتي على قلب من يحمل الحقد”.

وقال: “لقد مررنا في تجربة قاسية في العام 2006، تجربة الحرب. و”ذنبنا” كان أننا تضامنا كشعب لبناني ضد إسرائيل المعتدية علينا. وهي التي تذرعت بحادث حدود سببا كي تشن حربا تهدم بنيتنا التحتية وتقتل شبابنا وتقتل أولادنا. هل تذكرون قانا، قانا التي ذهب أطفالها ضحية المجازر الاسرائيلية، في عناقيد الغضب في العام 1996 ثم في حرب لبنان في العام 2006. عندما زرتها في العام 2008، ونظرت إلى المدافن المتراصفة بجانب بعضها البعض فكرت أن سنة الحياة الطبيعية هي أن يدفن الأولاد والأحفاد آبائهم وأجدادهم وليس أن يدفن الأباء والأجداد أولادهم. هل من أحد يمكنه أن يعرف درجة الألم التي يشعر بها الانسان الذي يدفن ولده؟”

أضاف: “وقعت المجازر لأننا دافعنا عن أنفسنا في هذه الحرب ولأننا كسرنا ميزان القوى والطيران ومجلس الأمن والدول الكبيرة والصغيرة التي تذرعت بأنها تريد أن تضرب حزب الله، والواقع أنها كانت تريد ليس ضرب حزب الله فقط إنما ضرب كل لبنان. كانوا يريدون أيضا تغذية الإنقسام في الشعب اللبناني حتى يعزلوا قسما منه كي يستطيعوا التغلب عليه. غير أن تجربتنا وإدراكنا لهذه المناورات النفسية المؤذية جعلتنا نتخطى جميع هذه الدعايات المشؤومة، وأنتم الموجودون في كندا وأميركا وأوروبا أكثر من عانيتم منها”.

أضاف: “في تلك الحرب لم يقف بجانب لبنان ليساعده إلا سوريا وإيران، هل كان دعمهم عن “محبة” أو مصلحة او الجوار. لا أعرف، ولكن ما أعرفه أننا كنا مطوقين، ولم يكن يصلنا أي مواد غذائية أو اي شيء آخر إلا من خلال سوريا التي أبقت أبوابها مفتوحة بوجهنا وساعدتنا على التموين. إذا، في هذه الحالة لا يجوز لأحد، ولأي قوة أكانت عظمى أو صغيرة أن تسمينا “قوى الشر”، فنحن لسنا قوى الشر، لسنا الacces of evil، لم نؤذ أحدا، ولم نفجر عبوات في أميركا، لم نضرب أبراجا ولم نضع قنابل في القطارات. نحن كنا نقتل على أرضنا، ومن أجل ماذا؟ من أجل أمن إسرائيل ومن أجل النفط. نعم، من أجل أمن إسرائيل ومن أجل النفط يقومون بذبح المشرقيين”.

وبعدما سأل: “ما هي المشرقية التي ندافع عنها، والتي تأسست في دول المشرق، والتي تشكلون الجزء الأكبر منها؟”، قال: “في ما مضى كانوا يحاولون إقناع مسيحيي المشرق واللبنانيين بصورة خاصة بالهجرة، وكأننا بقايا الغربيين الذين جاءوا إلى المشرق، ونسوا أن المشرق هو المساحة التي تطورت عليها المسيحية في بداياتها. بطريركياتنا إسمها بطريركية أنطاكية وسائر المشرق. هذه هي أرضنا، منها انطلق الرسل كي يبشروا العالم بالمسيحية، فالمسيحية ليست إنتاجا صناعيا غربيا وصل إلينا”.

وتابع: “المسيحيون والمسلمون هم من روحانية الشرق وامتدوا إلى العالم كله؛ فالإنسان ليس مادة، والمجتمعات التي تعيش اليوم الحياة المادية فقط متناسية الروحانية التي أعطتها الأديان للإنسان، بدأت مرحلة الإنحطاط. فلا معنى للدنيا إن لم يكن هناك امتداد لها مع ما بعد الموت، لأن هذا الأخير هو المخرج الوحيد الذي يعطي معنى لحياتنا وجهودنا التي نقدمها في هذه الحياة”.

أضاف: “الحياة ليست فقط خبزا وملحا وثروات تجرنا إلى الحروب وتخرب كل أمن المجتمع. نحن معرضون اليوم في المشرق، وأصابع الجريمة واضح من يقوم بها، ولن نخجل الليلة من تسميتهم. أنا أدرك قوة الصهيونية في أميركا وهنا وفي أوروبا، فأنا لست غريبا كما انني لست بحاجة إلى كتاب كي أقرأ عنها، لأنني عشتها، وقد تلقينا ضرباتها.
من هجر المسيحيين والمسلمين من القدس ومن فلسطين؟ فقد كانوا بنسبة 20% فبل التهجير بقي منهم 2%، ألم تكن تعد نفسها دولة ديموقراطية وراقية وجميع العالم ينشد بها. لماذا تمثلت ديموقراطيتها بطرد الفلسطينيين ومصادرة هويتهم وأرضهم؟ هل نستطيع أن نتصور المسيحيين بدون الأماكن المقدسة؟ هل رأيتم مياها تتدفق في السواقي والنبع جاف؟ لماذا حصل ذلك ولا أحد يتحث عن الأمر؟”.

وذكر بأنه “منذ حوالى ال3 أشهر أرادت منظمة الأونيسكو أن تتبنى كنيسة المهد تراثا إنسانيا عالميا، فاعترضت اسرائيل ودعمتها اميركا. لا تؤاخذوننا إذا كنا نتحدث عن أميركا في أرضها ولكن إذا لم نقل الحقيقة هنا، أين سنقولها، أهل نذهب الى قبائل أفريقيا؟ دخلت القوات الأميركية إلى العراق باسم الديموقراطية، فرحنا للأمر وصفقنا له، إذ قالوا إن هناك طاغية يريدون نزعه من الحكم، غير أن الشعب العراقي كله ذهب ولا يزال يذهب، قبل أن يذهب الطاغية، ما هذه الآثار التي خلفها الدخول الأميركي وأين هي الديموقراطية؟! البترول الموجود في العراق هو الأساس، ودمر العراق ولا يزال شعبه يعاني، والحبل على الجرار”.

أضاف: “اليوم جاء دور سوريا بعد العراق. ولكن، سوريا لن تنهزم. الحرب مؤلمة بدون شك، ولكنها ستكون البلاد التي ستضع حدا للتطرف، وكونوا على ثقة أنه إذا لم يوضع حد للتطرف، فإن هذا النسيج الإجتماعي والثقافي الذي تكون بتطابق اختلاط الديانتين المسيحية والإسلام، سيكون في طريق الإنقراض، وهذا لن يحدث لأنه بالفعل ستعم حينها حرب الآلهة على الأرض، وحرب الآلهة هي أزلية سرمدية أبدية لن تنتهي. ولكن، نحن وكل من يعمل لأجل السلام، سننتصر على قوى الشر التي لسنا منها بالتأكيد. نحن لسنا “محور الشر”؛ فمن يدعي الدفاع عن السلام ظاهريا ويعمل لإشعال منطقتنا هم قوى الشر الحقيقيون، ولكننا لن نسمح لهم بالانتصار”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى