المقالات

بروباغندا الحروب -د. قصي الحسين

كل حرب تقع بين فريقين، تمهد لها وتسبقها، حرب من نوع آخر. حرب إعلامية. لا تتورع عن إستعمال شتى الأضاليل. لا تتورع عن إستعمال شتى الأكاذيب. لا تتورع عن نبش التاريخ وإستحضار القبور. وتذكر الآلام والفواجع. لا تتورع عن إستذكار العداوات القديمة، وجملة المكائد، وتقديم النيات على النقاشات. وتغليف الوعود ودس السموم فيها، لأجل التمويه على ساعة الصفر، التي رسمت للحرب.

بروباغندا الحروب، تنهض على التأليب. على بث العداوات. تنهض على إستعمال الأبواق الإعلامية. تنهض على تجييش النفوس والحشد. تؤلف القصص، وتحضر البعثات، وتعين الجهات. وتعمل على بناء المعاهدات وشد الأزر بالأحلاف، وما يدخل في نطاقها. لأجل تقوية الموقف. وتقوية الدفاعات. وكسب الرأي العام القريب والبعيد. والإجتهاد في بث الأقاويل وتلفيق الأخبار. وتعرية الفريق الخصم من أرديته الحميدة. ومن كسوته اللائقة. حتى يسهل رشقه بالسهام.

لاتقع حرب بين طرفين، أو بين مجموعتين. أو بين مجموعة من الأطراف، إلا عندما يخوض الفريقان/ الطرفان، في حرب إعلامية صريحة، ربما، وتضليلية، ربما، ولكنها حتما من نوع ما يوصف، ب “بروباغندا الحروب”.

هذة الحرب/ البروباغندا، التي تسبق الحرب، هي التي تكشف الحجم، أو الحجوم، التي سوف تأخذها هذة الحرب. تكشف حجمها إذا، وتكشف السبل التي سوف تسلكها. وتكشف الغور الذي سوف تبلغه. وتكشف الأبعاد التي ترمي إليها. تكشف كم سيطول زمن الحرب. تكشف العدة والعديد. وحجم الإستعداد لها. تكشف الأطراف التي ستدخل الحرب، إلى جانب هذا الفريق أو ذاك، دون الأخذ بعين الإعتبار رأي الشعب.

ومثلما تسول بروباغندا الحروب لنفسها، إستعمال شتى الأضاليل، وكافة عناصر التمويه، فإنها بالتالي، تستعمل الحشد: الحشد الإعلامي، بكافة حقوله. وكافة أقسامه. وكافة أشخاصه. ترصد له الأموال، فنستبين حجم الحشد الإعلامي، من رصيده المالي. فبقدر ما يكون حجم هذا الرصيد عظيما، بقدر ما يمكن أن يكون عليه بروباغندا الإعلام. أما حشد الرأي العام، فله حيزه الخاص في خطاب الإستعداد للحرب. وكذلك الحشد المالي، والحشد المادي والحشد المعنوي.. فالحرب تتطلب حشودا عظيمة، على كافة المستويات، قبل أن تطلق الرصاصة الأولى، للبدء بالحرب.

بروباغندا الحرب التي سبقت الحرب الروسية- الأوكرانية، لا تبشر بالخير. ولا تبشر بقرب الحل. فهي تؤكد عمق القضايا والمسائل، التي كانت من الأسباب الرئيسة لتسويغ الدخول في حرب. تؤكد أيضا، أن زمن بروباغندا الكراهية قديم. وأنه من الصعب تجاوزه، لا بمعركة محدودة. ولا في زمن محدود. أوكرانيا التاريخية، تشبه إلى حد بعيد فلسطين التاريخية. ولذلك فإن العام 2022 الروسي/ الأوكراني، يشبه إلى حد بعيد العام1948، الفلسطيني/ الإسرائيلي. فقط سبعون عاما، بين حربين متشابهتين. وبروباغندا الحروب واحدة. غير أن القوى، غير القوى. والحشد غير الحشد، ولذلك هي أعظم ألما، وأعظم حزنا. ولذلك، فهي أشد.

بروباغندا الحرب الروسية الأوكرانية، تعمل على وتيرة واحدة: إنتاج سلطة أخرى في أوكرانيا، إلى جانب سلطة الدولة. فهل يسمح الغرب. عفوا. هل يسمح الشرق. فهل نحن أمام حرب جديدة، من نوع حرب تحرير شعبية. أو من نوع “حرب القرن”.

بروباغندا الحرب اليوم، تشي بذلك، لأن البروباغندا الدائرة اليوم، هي أعظم من هذة الحرب. إذن: لم تكتمل الحرب بعد! دعونا ننتظر إكتمال فصولها. دعونا ننتظر النهايات، فربما كانت البدايات غير كافية ، كما تقول بروباغندا الحروب عادة!.

د. قصي الحسين
أستاذ في الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى