المقالات

ربط المسيحيين بمصير النظام السوري؛ يحميهم أم يؤذيهم؟! بقلم: فادي شامية-

ليس غريباً أن تدافع القوى اللبنانية المرتبطة بالنظام السوري- وجودياً أو تحالفياً- عن هذا النظام، في مواجهة موجة الاحتجاجات غير المسبوقة التي تواجهه، لكن الغريب أن تربط قيادات مسيحية دفاعها عن النظام السوري بدعوى “الحفاظ على المسيحيين ووجودهم في المنطقة”!

مواقف مستغَرَبة
في لبنان؛ فإن الصوت المسيحي الأبرز المدافع عن النظام السوري هو صوت العماد ميشال عون. نظرية عون التي يستنتجها أي متابع لتصريحاته تقوم على ركنين اثنين؛ تحالف الأقليات في مواجهة الغالبية السنية، ودعم الأنظمة القائمة على أساس أن بديلها هو الأصولية السنية (السلفيون والوهابيون والأخوان المسلمون وحزب التحرير…).  لهذا السبب وصف عون الرئيس بشار الأسد بـ “المقاوم والإصلاحي والمحبوب من شعبه” (19/5/2011)، وللسبب نفسه اعتبر أن سوريا “تتعرض اليوم لحرب ثورية” (11/6/2011)، وأن “ما نسمعه في الإعلام لا أساس له من الصحة وسوريا هادئة، ودمشق وحلب والمدن كلها هادئة، وهناك بعض المشكلات في حيين في حمص!” (10/8/2011)، لكن مقابلة عون الأخيرة على قناة LBC كانت الأوضح في تظهير نظرية عون: “أنا أعرف أنه إذا سقط النظام سنصبح نحن (المسيحيين) أهل ذمة… لكن أسأل مسلمي بيروت عن موقفهم إذا أصبح النظام سلفياً أو دينياً فأين سيكون موقعهم؟ ماذا سيفعل الذين يلبسون كرافات، وماذا ستفعل النسوة اللواتي يذهبن إلى الكوافير؟!” (8/9/2011 مع الإشارة إلى أن من يحرّم لبس الكرافات تحديداً هم حلفاء عون من المسلمين، لا “التحرير” ولا “الأخوان”). بهذا الموقف لم يكتف عون بتخويف المسيحيين من بديل النظام السوري بعد سقوطه، وإنما بتخويف المسلمين أيضاً!.

والأغرب من موقف عون هو موقف البطريرك مار بشارة بطرس الراعي –باعتبار أن عون متحالف مع النظام السوري ولديه حسابات سياسية خلافاً لغبطة البطريرك الذي لا يمكن تفسير موقفه إلا على أساس الحرص على رعيته، بغض النظر عن صواب الموقف أو خطئه-. صمَتَ الراعي طويلاً عما يجري في سوريا إلى أن أطلق موقفاً ملتبساً -من فرنسا بالذات- اعتبر فيه أن “ما يحصل في سوريا إبادة شعوب وليس ديمقراطية ولا إصلاح” (5/9/2011)، وبعد ثلاثة أيام علّل موقفه بالقول: “المسيحيون سيدفعون ثمن وصول الحكم في سوريا إلى الأخوان المسلمين أكان قتلاً أم تهجيراً، وها هي صورة العراق أمام أعيننا”، داعياً “لإعطاء فرصة للرئيس بشار للأسد لأنه بدأ بالإصلاحات”.

وكما هو ظاهر فإن موقف أهم شخصيتين مسيحيتين في لبنان؛ دينية وزمنية، متقارب لجهة ربط الوجود المسيحي في سوريا ببقاء النظام السوري، رغم ما يسفكه من دماء…فهل ربط المسيحيين بمصير النظام السوري، والمراهنة على بقائه بدعوى أنه يحمي الأقليات، وأن بديله الأصولية السنية، هل هذه الأطروحة –القائمة على افتراضات ومخاوف- تحمي المسيحيين فعلاً أم تؤذيهم؟      

من الناحية المبدئية
تبدو المواقف المسيحية الداعية لبقاء النظام السوري مستغرَبَة من حيث المبدأ لاعتبارات ثلاثة:
أولاً: لأنها تخالف روح المسيحية: وشعار البطريرك الراعي بالذات؛ “الشركة والمحبة”، ذلك أنها تمنح أنفاساً إضافية لنظامٍ لا يؤمن بالشراكة ولا بالمحبة، فضلاً عن إيغاله بعيداً في الخيار الأمني، ما يعني أن هذه المواقف تضع المسيحيين إلى جانب الظالم لا المظلوم، خلافاً لتعاليم المسيحية والأديان كلها.  

ثانياً: لأنها تخالف روح الديمقراطية: فالدعوة لبقاء نظام لا يتمتع بالشرعية القانونية أو الشعبية، بدعوى أن بديله هم الإسلاميون، يعني رفض خيار الأغلبية (هذا على فرض أن بديله هم الإسلاميون فعلاً)، لكأن من يتبنى هذا الطرح يقول إننا ضد الديمقراطية إذا كانت ستأتي بهذه الشريحة أو تلك من أبناء مجتمعنا إلى السلطة!.    

ثالثاً: لأنها تخالف الروح الوطنية: باعتبار أنها تقدّم مصلحة الجماعة المسيحية وتميزها عن المصلحة الوطنية العامة، وتُظهر متبنيها فئوياً أقلويَ التفكير، همه مصير جماعته، ولو بالتحالف مع نظام دموي مستبد، علماً أن النظام السوري –كما هو واضح من ممارساته- لا يقيم وزناً لمقدسات إسلامية أو مسيحية، عندما يتعلق الأمر بوجوده، وأن المسيحيين في سوريا كانوا قبل نظام الأسد وسيبقون بعده، ومن الخطأ الجسيم ربط مصيرهم بنظام سياسي زائل راهناً أو مستقبلاً!
من الناحية العملية
إضافة إلى “لا مبدئية” المواقف الداعمة للنظام السوري؛ فإن مثل هذه المواقف المعلَّلة بالحفاظ على الوجود المسيحي، من شأنها أن تؤذي المسيحيين ووجودهم ومستقبلهم، لأنها تجعل المسيحيين رهينةً للنظام، وتعرّض وجودهم لمخاطر كبيرة، إذا ما سقط فعلياً –وهو أمر مرجح-، خصوصاً إذا ما اعتبرت “الثورة الشعبية” أن المسيحيين (بين 3-4%) كانوا إلى جانبه، ولعل أقل الأضرار فيما لو حصل ذلك سوف تصيب الوحدة الوطنية، إذ كيف سيكون موقف المضطهَد إذا وجد جماعةً ما تؤيد من يضطهده (لحسن الحظ أن هذا الأمر مخالف للواقع على الأرض كما سيبدو بعد قليل).

كما أن مواصلة التخويف من الإسلاميين عموماً خيار غير مفيد للمسيحيين (لا سيما أن من يقول به متحالف أصلاً مع “حزب الله” الإسلامي النشأة والعقيدة)، فضلاً أن أنه يعاكس توجهاً عالمياً اليوم يقول إن وضع الإسلاميين كلهم في سلة واحدة يشجع على ظهور الجماعات الغالية. وعلى سبيل المثال فإن ربط “الأخوان المسلمين” بـ “الإرهاب” و”ظلم المسيحيين”، ثم الاستدلال بما يجري في العراق؛ خطأٌ فادح، لأن مأساة المسيحيين في العراق لا علاقة لها بـ “الأخوان”، وقياس الثورة الشعبية في سوريا بالاحتلال الغربي للعراق، هو قياس بين غير متماثلين وغير متشابهين، وبالتالي لا يصح البناء عليه. كما أن الوثيقة السياسية لـ “الأخوان” في سوريا (أُعلنت في العام 2004) تتحدث عن دولة مواطَنة، “تقوم فيها العلاقة بين الحاكم والمحكوم على أساس المواطنة، لا الدين. وهي دولة تمثيلية، ومؤسسية، وقانونية، وتداولية، و”تكون صناديق الاقتراع الحر والنزيه أساساً لتداول السلطة بين أبناء الوطن أجمعين”. وهي دولة تعددية، “تتباين فيها الرؤى، وتتعدد الاجتهادات، وتختلف المواقف، وتقوم فيها قوى المعارضة السياسية…”، وتالياً فإن تصوير الإسلاميين وكأنهم جميعاً أتباع لبن لادن، يضر بمصالح الأقليات، ويشجع على الإرهاب بدلاً من الإسهام في الحد منه.  

ولعل الأهم من ذلك كله؛ أن الثورة في سوريا ليست ثورة إسلامية (رفض الإسلاميون في مصر أثناء الثورة أيضاً لصق صفة الإسلامية بثورتهم، خلافاً لموقف السيد الخامنئي!)، وأنها تضم جميع مكونات الشعب السوري، الإسلاميين والعلمانيين والمسلمين وغير المسلمين والعرب وغير العرب، وأن أحداً يُعتد به لم يطرح إقامة حكم إسلامي في سوريا بعد سقوط النظام، وأن أحد أهم وجوه هذه الثورة مسيحيون، وأن السابقين منهم في معارضة النظام، فيما عرف بـ” ربيع دمشق”، كان المسيحيون من أكثرهم نشاطاً… واضطهاداً، (دعا المعارض البارز ميشيل كيلو في وقت سابق من شهر تموز الماضي إلى “إعادة المسيحيين إلى موقعهم الصحيح من الجماعة العربية الإسلامية، وإلى فصلهم عن أي نظام سلطوي استبدادي الطابع والدور”)، وأن الاضطهاد الذي يعاني منه السوريون اليوم غير مقتصر على طائفة بعينها، وأن ناشطين مسيحيين بارزين في دمشق وغيرها ينسقون الاحتجاجات ويقودونها منذ البدايات، وأن من بين أوائل شهداء الثورة مسيحيون، وأن مئات من المعتقلين مسيحيون (يقدر ناشطون العدد بنحو ثلاثماية معتقل مسيحي من طوائف متعددة)، وأن مواقف أعلى سلطة في الكنيسة الكاثوليكية نفسها لم تتأخر في تعرية نظام الأسد في وقت مبكر من الثورة (موقف بابا روما في 11/6/2011 الذي اتهم النظام بـ “عدم مراعاة الذات البشرية”).

لهذا كله؛ فإنه يمكن الاستنتاج أن المواقف التي تربط المسيحيين بالنظام السوري تؤذي المسيحيين ولا تحميهم، ولعل الدعوات المتصاعدة لعدد من الناشطين المسيحيين في سوريا للرد على المواقف الدينية أو الزمنية التي تدافع عن النظام؛ دليل واضح على صحة الاستنتاج السابق.

اللواء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى